ولما كانت السخرية تكون بحضرة ناس، قال معبراً بما يفهم أن من شارك أو رضي أو سكت وهو قادر فهو ساخر مشارك للقائل :﴿قوم﴾ أي ناس فيهم قوة المحاولة، وفي التعبير بذلك هز إلى قيام الإنسان على نفسه وكفها عما تريده من النقائص شكراً لما أعطاه الله من القوة :﴿من قوم﴾ فإن ذلك يوجب الشر لأن أضعف الناس إذا حرك للانتقاص قوي بما يثور عنده من حظ النفس.
ولما كان الذي يقتضيه الرأي الأصيل أنه لا يستذل الإنسان إلا من أمن أن يصير في وقت من الأوقات أقوى منه في الدنيا وفي الآخرة، علل بقوله :﴿عسى﴾ أي لأنه جدير وخليق لهم ﴿أن يكونوا﴾ أي المستهزأ بهم ﴿خيراً منهم﴾ فينقلب الأمر عليهم ويكون لهم سوء العاقبة، قال ابن مسعود رضي الله عنه : البلاء موكل بالقول ولو سخرت من كلب خشيت أن أحول كلباً ؛ وقال القشيري : ما استضعف أحدا أحداً إلا
٢٣٢
سلط عليه، ولا ينبغي أن تعتبر بظاهر أحوال الناس، فإن في الزوايا خبايا، والحق سبحانه يستر أولياءه في حجاب الظنة، كذا في الخبر "كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره ".
ولما كان إطلاق القوم لمن كان فيه أهلية المقاومة وهم الرجال، قال معبراً ما هو من النسوة بفتح النون أن ترك العمل :﴿ولا نساء من نساء﴾ ثم علل النهي بقوله :﴿عسى﴾ أي ينبغي أن يخفن من ﴿أن يكن﴾ المسخور بهن ﴿خيراً منهن﴾ أي الساخرات.