ولما كانت السخرية تتضمن العيب، ولا يصرح فيها، وكان اللمز العيب نفسه، رقي الأمر إليه فقال :﴿ولا تلمزوا﴾ أي تعيبوا على وجه الخفية ﴿أنفسكم﴾ بأن يعيب بعضكم بعضاً بإشارة أو نحوها، فكيف إذا كان على وجه الظهور، فإنكم في التواصل والتراحم كنفس واحدة، أو يعمل الإنسان ما يعاب به، فيكون قد لمز نفسه أو يلمز غيره فيكون لمزه له سبباً لأن يبحث عن عيوبة فيلمزه فيكون هو الذي لمز نفسه ﴿ولا تنابزوا﴾ أي ينبز بعضكم بعضاً، أي يدعو على وجه التغير والتسفل ﴿بالألقاب﴾ بأن يدعو المرء صاحبه بلقب يسوءه سواء كان هو المخترع له أولاً، وأما ألقاب المدح فنعم هي كالصديق والفاروق.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٢٩
ولما كان الإيمان قيداً لأوابد العصيان، وكان النبز والسخرية قطعاً لذلك القيد، علل بما يؤذن فأنه فسق، معبراً بالكلمة الجامعة لجميع المذامّ تنفيراً من ذلك فقال :﴿بئس الاسم الفسوق﴾ أي الخروج من ربقة الدين ﴿بعد الإيمان﴾ ترك الجارّ إيذاناً بأن من وقع في ذلك أوشك أن يلازمه فيستغرق زمانه فيه فإن النفس عشاقة للنقائص، ولا سيما ما فيه استعلاء، فمن فعل ذلك فقد رضي لنفسه أو يوسم بالفسق بعد أن كان موصوفاً بالإيمان.
ولما كان التقدير : فمن تاب فأولئك هم الراشدون، وكان المقام بالتحذير أليق، عطف عليه قوله :﴿ومن لم يتب﴾ أي يرجع عما نهى الله عنه، فخفف عن نفسه ما كان شدد عليها ﴿فأولئك﴾ أي البعداء من الله ﴿هم﴾ أي خاصة ﴿الظالمون *﴾ أي العريقون في وضع الأشياء في غير مواضعها.
٢٣٣
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٢٩