ولما كان تفضيلهم إلى فرق لكل منهما تعرف به أمراً باهراً، عبر فيه بنون العظمة فقال :﴿وجعلناكم﴾ أي بعظمتنا ﴿شعوباً﴾ تتشعب من أصل واحد، جمع شعب بالفتح وهو الطيبقة الأولى من الطبقات الست من طبقات النسب التي عليها العرب ﴿وقبائل﴾ تحت الشعوب، وعمائر تحت القبائل، وبطوناً تحت العمائر، وأفخاذاً تحت البطون، وفصائل تحت الأفخاذ، والعشائر تحت الفصائل، خزيمة شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصيّ بطن، وعبد مناف فخذ، وهاشم فصيلة، والعباس عشيرة، قال البغوي : وليس بعد العشيرة حي يوصف به - انتهى.
واقتصر على الأولين لأنهما أقصى ما يسهل على الآدمي معرفته فما دونه أولى، ثم ذكر علة التشعب ليوقف عندها فقال :﴿لتعارفوا﴾ أي ليعرف الإنسان من يقاربه في النسب ليصل من رحمه ما يحق له، لا لتواصفوا وتفاخروا.
ولما كانت فائدة التفاخر بالتواصف عندهم الإكرام لمن كان أفخر، فكانت الآية السالفة التي ترتبت عليها هذه آخرة بالتقوى كان التقدير : فتتقوا الله في أقاربكم وذوي أرحامكم، فقال مبطلاً للتفاخر بالأنساب معللاً لما أرشد إلى تقديره السياق مؤكداً لأجل ما عندهم من أن الكرم إنما هو بالنسب :﴿إن أكرمكم﴾ أيها المتفاخرون ﴿عند الله﴾ أي الملك الذي لا أمر لأحد معه ولا كريم إلا من أكرمكم بكرمه ولا كمال لأحد سواه ﴿أتقاكم﴾ فذلك هو الذكر الذي يصح أصله باقتدائه بأبيه آدم عليه السلام فلم يمل إلى الأنوثة وإن كان أدناكم نسباً ولذلك أكده، وهذا معنى قوله ﷺ :"خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا" أي علموا بأن كانت لهم ملكة الفقه فعلموا بما عملوا
٢٣٦
كما قال الحسن رحمه الله : إنما الفقيه العامل بعلمه.


الصفحة التالية
Icon