ولما كان الإنسان مبنياً على النقصان، فلو وكل إلى عمله هلك، ولذهب عمله فيما يعتريه من النقص، قال مستعطفاً لهم إلى التوبة، مؤكداً تنبيهاً على أنه مما حيق تأكيده لأن الخلائق لا يفعلون مثله :﴿إن الله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿غفور﴾ أي ستور للهفوات والزلات لمن تاب وصحت نيته، ولغيره إذا أراد، فلا عتاب ولا عقاب ﴿رحيم *﴾ أي يزيد على الستر عظيم الإكرام.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٣٤
ولما نفى عنهم الإيمان، وكان ربما غلط شخص في نفسه فظن أنه مؤمن، وليس كذلك، أخبر بالمؤمن على سبيل الحصر ذاكراً أمارته الظاهرة الباطنة، وهي أمهات الفضائل : العلم والعفة والشجاعة، فقال جواباً لمن قال : فمن الذي آمن ؟ عادلاً عن جوابه إلى وصف الراسخ ترغيباً في الاتصاف بوصفه وإيذاناً بأن المخبر عن نفسه بآية إيمانه لا يريد إلا أنه راسخ :﴿إنما المؤمنون﴾ أي العريقون في الإيمان الذي هو حياة القلوب، قال القشيري : والقلوب لا تحيا إلا بعد ذبح النفوس، والنفوس لا تموت ولكنها تعيش ﴿الذين آمنوا﴾ أي صدقوا معترفين ﴿بالله﴾ معتقدين جميع ما له من صفات الكمال ﴿ورسوله﴾ شاهدين برسالته، وهذا هو المعرفة التي هي العلم، وغياتها الحكمة، وهذا الإثبات هنا يدل على أن المنفي فيما قيل الكمال لا المطلق، وإلا لقال " إنما الذين آمنوا ".
٢٣٩
ولما كان هذا عظيماً والثبات عليه أعظم، وهو عين الحكمة، أشار إلى عظيم مزية الثبات بقوله :﴿ثم﴾ أي بعد امتطاء هذه الرتبة العظيمة ﴿لم يرتابوا﴾ أي ينازعوا الفطرة الأولى في تعمد التسبب إلى الشك ولم يوقعوا الشك في وقت من الأوقات الكائنة بعد الإيمان، فلا يزال على تطاوله الأمنة وحصول الفتن وصفهم بعد الريب غضاً جديداً، ولعله عبر بصيغة الافتعال إشارة إلى العفو عن حديث النفس الذي لا يستطيع الإنسان دفع أصله ويكرهه غاية الكراهة ويجتهد في دفعه، فإذا أنفس المذموم المشي معه والمطاولة منه حتى يستحكم.