ولما ذكر الأمارة الباطنة على وجه جامع لجميع العبادات المالية والبدنية قال :﴿وجاهدوا﴾ أي أوقعوا الجهاد بكل ما ينبغي أن تجهد النفس فيه تصديقاً لما ادعوه بألسنتهم من الإيمان ﴿بأموالهم﴾ وذلك هو العفة ﴿وأنفسهم﴾ أعم من النية وغيرها، وذلك هو الشجاعة، وقدم الأموال لقلتها في ذلك الزمان عند العرب ﴿في سبيل الله﴾ أي طريق الملك الأعظم بقتال الكفار وغيره من سائر العبادات المحتاجة إلى المال والنفس لا الذين يتخلفون ويقولون : شغلتنا أموالنا وأهلونا، قال القشيري : جعل الله الإيمان مشروطاً بخصال ذكرها، وذكر بلفظ " إنما " وهي للتحقيق، تقتضي الطرد والعكس، فمن أفرد الإيمان لا يوجب الأمان لصاحبه فخلافه أولى به.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٣٩
ولما عرف بهم بذكر أمارتهم على سبيل الحصر، أنتج ذلك حصراً آخر قطعاً لأطماع المدعين على وجه أثنى عليهم فيه بما تعظم المدحة به عندهم ترغيباً في مثل حالهم فقال :﴿أولئك﴾ أي العالو الرتبة الذين حصل لهم استواء الأخلاق والعدل في الدين بجميع أمهات الأخلاق ﴿هم﴾ أي خاصة ﴿الصادقون *﴾ قالاً وحالاً وفعالاً، وأما غيرهم فكاذب.
ولما كانوا كأنهم يقولون : نحن كذلك، أمره ﷺ بالإنكار عليهم والتوبيخ لهم دلالة على ما أشار إليه ختام الآية إحاطة علمه الذي تميز به الصادق من غيره من جميع الخلق فقال :﴿قل﴾ أي لهؤلاء الأعراب مجهلاً لهم مبكتاً :﴿أتعلمون﴾ أي أتخبرون إخباراً عظيماً بلغياً، كأنهم لما آمنوا كان ذلك إعلاماً منهم، فملا قالوا آمنا كان ذلك تكريراً، فكان في صورة التعليم، فبكتهم بذلك ﴿الله﴾ أي الملك الأعظم المحيط قدرة وعلماً ﴿بدينكم﴾ فلذلك تقولون : آمنا، ففي ذلك نوع بشرى لهم لأنه أوجد لهم ديناً وأضافه إليهم - قاله ابن برجان.
ولما أنكر عليهم وبكتهم وصل به ما يشهد له فقال :﴿والله﴾ أي والحال أن الملك المحيط بكل شيء ﴿يعلم ما في السموات﴾ كلها على


الصفحة التالية
Icon