فإن هذا الجرم الكبير لا يكفي فيه فرج واحد لمن يحتاج إلى الحركة، فنزل كلام العليم الخبير على مثل هذه المعاني، ولا يظن أنه غيرت فيه صنعة من الصنع لأجل الفاصلة فقط، فإن ذلك لا يكونه إلا من محتاج، والله متعال عن ذلك، ويجوز - وهو أحسن - أن يراد بالفروج قابلية الإنبات لتكون - مثل الأرض - يتخللها المياه فيمتد فيها عروق الأشجار والنبات وتظهر منها، وأن يراد بها الخلل كقوله تعالى ﴿ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فراجع البصر هل ترى من فطور﴾ [الملك : ٣] أ خلل واختلاف وفساد، وهو لا ينفي الأبواب والمصاعد - والله أعلم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٤٤
سبحانه على تمام قدرته وكما ل علمه وغير ذلك من صفات الكمال بآية السماء، أتبع ذلك الدلالة على أنه لا يقال فيه داخل العالم ولا خارجه لأنه متصل به ولا منفصل عنه، نبه على ذلك بالدلالة على آية الأرض، وأخرها لأن السماء أدل على المجد الذي هذا سياقه، لأنها أعجب صنعة وأعلى علوّاً وأجل مقداراً وأعظم أثراً، وأن الأرض لكثرة الملابسة لها والاجتناء من ثمارها يغفل الإنسان عن دلالتها، بما له في ذلك من الصنائع والمنافع، فقال :﴿والأرض﴾ أي المحيط بهم ﴿مددناها﴾ أي جعلناها لما لنا من العظمة مبسوطة لا مسنمة.
ولما كان الممدود يتكفأ، قال :﴿وألقينا﴾ بعظمتنا ﴿فيها رواسي﴾ أي جبالاً ثوابت كان سبباً لثباتها، وخالفت عادة المراسي في أنها من فوق، والمراسي تعالجونها أنتم من تحت.
ولما كان سكانها لا غنى لهم عن الرزق، قال ممتناً عليهم :﴿وأنبتنا﴾ بما لنا من العظمة ﴿فيها﴾ وعظم قدرتها بالتبعيض فقال :﴿من كل زوج﴾ أي صنف من النبات تزاوجه أشكاله بأرزاقكم كلها ﴿بهيج *﴾ أي هو في غاية الرونق والإعجاب، فكان - مع كونه رزقاً - متنزهاً.