ولما ذكر هذه الصنائع الباهرة، عللها بقوله :﴿تبصرة﴾ أي جعلنا هذه الأشياء كلها، أي لأجل أن تنظروها بأبصاركم، ثم تتفكروا ببصائركم، فتعبرا منها إلى صانعها، فتعلموا ما له من العظمة ﴿وذكرى﴾ أي ولتتذكروا بها تذكراً عظيماً، بما لكم من القوى والقدر فتعلموا بعجزكم عن كل شيء من ذلك أن صانعها لا يعجزه شيء، وأنه محيط بجمي عصفات الكمال، ولو ألم بجنابه شائبة من شوائب النقص لما فاض عنه هذا الصنع الغريب البديع.
٢٥٠
ولما كان من لا ينتفع بالشيء كأنه عادم لذلك الشيء، قصر الأمر على المنتفع فقال :﴿لكل عبد﴾ يتذكر بما له من النقص وبما دل عليه هذا الصنع من الكمال أنه عبد مربوب لصانعه.
ولما كان الإنسان لما له من النقصان لا يزال كلما أعلاه عقله أسفله طبعه، فكان ربما ظن أنه لا يقبل إذا رجع، رغبة في الرجوع بقوله :﴿منيب *﴾ أي رجاع عما حطه عنه طبعه إلى ما يعليه إليه عقله، فيرجع من شهود هذه الأفعال إلى شهود هذه الصفات إلى علم الذات.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٠
ولما كان إنزال الماء أبهر الآيات وأدلها على أنه أجلّ من أن يقال : إنه داخل العالم أو خارجه، أو متصل به أو منفصل عنه، مع أن به تكوّن النبات وحصول الأقوات وبه حياة كل شيء، أفرده تنبيهاً على ذلك فقال :﴿ونزلنا﴾ أي شيئاً فشيئاً في أوقات على سبيل التقاطر وبما يناسب عظمتنا التي لا تضاهى بغيب، بما له من النقل والنبوع والنفوذ فنزل دفعة واحدة فأهلك ما نزل عليه فزالت المفقرة وعادت المنفعة مضرة ﴿من السماء﴾ أي المحل العالي الذي لا يمسك فيه الماء عن دوام التقاطر إلا بقاهر ﴿ماء مباركاً﴾ أي نافعاً جداً ثابتاً لا خيالاً محيطاً بجميع منافعكم.