ولما كان الشجر مظنة الهواء البارد والروح، وكان أصحابه قد عذبوا بضد ذلك قال :﴿وأصحاب الأيكة﴾ لمشاركتهم لهم في العذاب بالنار، وأولئك بحجارة الكبريت النازلة من العلو وهؤلاء بالنار بالنازلة من ظلمة السحاب، وعبر عنهم بالواحدة والمراد
٢٥٣
الغيضة إشارة إلى أنها من شدة التفافها كالشجرة الواحد.
ولما كان ﴿تبع﴾ مع كونه من قومه ملكاً قاهراً، وخالفوه مع ذلك، وكان لقومه نار في بلادهم يتحاكمون إليها فتأكل الظالم، ختم بهم فقال :﴿وقوم تبع﴾ مع كونه مالكاً، وهو يدعوهم إلى الله، فلا يظنه أن التكذيب مخصوص بمن كان قوياً لمن كان مستضعفاً، بل هو واقع بمن شئنا من قوي وضعيف، لا يخرج شيء عن مرادنا.
ولما لم يكن هنا ما يقتضي التأكيد مما مر بيانه في ص قال معرياً منه :﴿كل﴾ أي من هذه الفرق ﴿كذب الرسل﴾ أي كلهم بتكذيب رسولهم، فإن الكل متساوون فيما يوجب الإيمان من إظهار العجز والدعاء إلى الله ﴿فحقَّ﴾ فتسبب عن تكذيبهم لهم أنه ثبت عليهم ووجب ﴿وعيد﴾ أي أي الذي كانوا يكذبون به عند إنذارهم لهم إياه، فعجلنا لهم منه في الدنيا ما حكمنا به عليهم في الأزل فأهلكناهم إهلاكاً عاماً كإهلاك نفس واحدة على أنحاء مختلفة كما هو مشهور عند من له بأمثاله عناية وأتبعناه ما هو في البرزخ وأخرنا ما هو في القيامة إلى البعث، بإهلاكنا لهم على تنائي ديارهم وتباعد أعصارهم وكثرة أعدادهم أن لنا الإحاطة البالغة فتسلَّ بإخوانك المرسلين وتأسَّ بهم، ولتحذر قومك ما حل بمن كذبهم إن أصروا.


الصفحة التالية
Icon