ولما كان التقريب قد لا يدري الناظر ما سببه، قال ساراً لهم :﴿هذا﴾ أي الإزلاف والذي ترونه من كل ما يسركم ﴿ما﴾ أي الأمر الذي ﴿توعدون﴾ أي وقع الوعد لكم به في الدنيا، وعبر بالمضارع حكاية للحال الماضية، وعبر عن الإزلاف بالماضي تحقيقاً لأمره وتصيراً لجضوره الآن ليكون المضارع من الوعد في أحكم مواضعه، وأبهم الأمر لأنه أكثر تشويقاً، والتعيين بعد الإبهام ألذ، فلذلك قال بياناً للمتقين، معيداً للجار لما وقع بينه وبين المبدل منه من الجملة الاعتراضية جواباً لمن كأنه قال : لمن هذا الوعد ؟ فقال تعالى :﴿لكل أواب﴾ أي رجاع إلى الاستقامة بتقوى القلب إن حصل في ظاهره عوج، فنبه بذلك على أنه من فضله لم يشترط في صحة وصفه بالتقوى دوام الاستقامة ﴿حفيظ﴾ أي مبالغ في حفظ الحدود وسار العهود بدوام الاستقامة والرجوع بعد الزلة، ثم أبدل من " كل " تتميماً لبيان المتقين قوله :﴿من خشي﴾ ولم يعد الجارّ لأنه لا اعتراض قبله كالأول، ونبه على كثرة خشيته بقوله :﴿الرحمن﴾ لأنه إذا خاف مع استحضار الرحمة العامة للمطيع والعاصي كان خوفه مع استحضار غيرها أولى، وقال القشيري : التعبير بذلك للإشارة إلى أنها خشية تكون مقرونة بالأنس يعني الرجاء كما هو المشروع، قال : ولذلك لم يقل ﴿الجبار﴾ أو ﴿القهار﴾ قال : ويقال : الخشية ألطف من الخوف، فكأنها قريبة من الهيبة ﴿بالغيب﴾ أي مصاحباً له من غير أن يطلب آية أو أمراً يصير به إلى حد المكاشفة، بل استغنى بالبراهين القاطعة التي منها أنه مربوب، فلا بد له من رب، وهو أيضاً بيان لبليغ خشيته.
ولما كان النافع من الطاعة الدائم إلى الموت، قال :﴿وجاء﴾ أي بعد الموت ﴿بقلب منيب *﴾ أي راجع إلى الله تعالى بوازع العلم، ولم يقل : بنفس، لطفاً بالعصاة لأنهم وإن قصرت نفوسهم لم يكن لها صدق القدم فلهم الأسف بقلوبهم، وصدق الندم.
٢٦٢
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٦٠