ولما دل على تمام علمه وشمول قدرته بخلق الإنسان إثره ما ذكره من جميع الأكوان، ثم بإعدامه لأصناف الإنسان في كل زمان، ذكر بخلق ما أكبر منه في المقدار والإنسان بعضه على وجه آخر، فقال عاطفاً على ﴿ولقد خلقنا الانسان﴾ وأكد تنبيهاً لمنكري البعث وتبكيتاً، وافتتحه بحرف التوقع لأن من ذكر بخلق شيء توقع الإخبار عما هو أكبر منه :﴿ولقد خلقنا﴾ أي بما لنا من العظمة التي لا يقدر قدرتها ولا يطاق حصرها ﴿السموات والأرض﴾ على ما هما عليه من الكب روكثرة المنافع ﴿وما بينهما﴾ من الأمور التي لا ينتظم الأمر على قاعدة الأسباب والمسببات بدونها ﴿في ستة أيام﴾ الأرض في يومين، منافعها في يومين، والسماوات في يومين، ولو شاء لكان ذلك في أقل من لمح البصر، ولكمنه سن لنا التأني بذلك ﴿وما مسنا﴾ لأجل ما لنا من العظمة ﴿من لغوب *﴾ أي إيعاء فإنه لو كان لاقتضى ضعفاً فاقتضى فساداً، فكان من ذلك شيء على غير ما أردناه، فكان تصرفنا فيه غير تصرفنا ي الباقي، وأنتم تشاهدون الأمر في الكل على حد سواء من نفوذ الأمر وتمام التصرف، من اللغب وهو الإعياء، والريش اللغاب وهو الفاسد.
ولما دل سبحانه على شمول العلم وإحاطة القدرة، وكشف فيهما الأمر أتم كشف، كان علم الحبيب القادر بما يفعل العدو أعظم نذارة للعدو وبشارة للولي، سبب عن ذلك قوله :﴿فاصبر على ما﴾ أي جميع الذي ﴿يقولون﴾ أي الكفرة وغيرهم.


الصفحة التالية
Icon