ولما كان الكذب الإخبار بما لا حقيقة له وتعمد الافتراء، وكان الخرص الكذب والافتراء والاختلاف وكل قول بالظن، قال معلماً بما لهم على قولهم هذاك قتلوا أو قتلتم - هكذا كان الأصل ولكنه أظهر الوصف الذي استحقوه بقولهم :﴿قتل الخراصون *﴾ أي حصل بأيسر أمر قتل الكذابين ولا محالة من كل قاتل، والمتقولين بالظن المنقطعين للكلام من أصل لا يصلح للخرص وهو القطع، وهم الذين يقولون عن غير سند من كتاب أو سنة أو أثارة من علم، وهو دعاء أو خبر لأنه مجاب :﴿الذين هم﴾ خاصة ﴿في غمرة﴾ أي أعماق من العمى والضلال، غارقون في سكرهم وجهلهم الذي غمرهم، ولذلك هم مضطربون اضطراب من هو يمشي في معظم البحر فهو لا يكاد ينتظم له أمر من قول ولا فعل ولا حال ﴿ساهون *﴾ أي عريقون في السهو وهو النسيان والغفلة والحيرة وذهاب القلب إلى غيره ما يهمه، ففاعل ذلك ذو ألوان متخالفة من هول ما هو فيه وشدة كربه.
ولما حكم بسهوهم، دل عليه بقوله :﴿يسئلون﴾ أي حيناً بعد حيناً بعد حين على سبيل الاستمرار استهزاء بقولهم :﴿أيان﴾ أي متى وأي حين ﴿يوم الدين *﴾ أي وقوع الجزاء الذي يخربنا به، ولولا أنهم بهذه الحالة لتذكروا من أنفسهم أنه ليس أحد منهم يبث عبيده أو أجراءه في عمل من الأعمال إلا وهو يحاسبهم على أعمالهم، وينظر قطعاً في أحوالهم، ويحكم بينهم في أقوالهم وأفعالهم فكيف يظن بأحكم الحاكمين أن يترك عبيدة الين خلقهم على هذا النظام المحكم وأبدع لهم هذين الخافقين وهيأ لأجلهم فيهما ما لا ضرورة لهم في التزود للمعاد إلى سواه فيتركهم سدى يوجدهم عبثاً.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٧٣
ولما تقرر أمر القيامة بالتعبير بساهون قال :﴿يوم﴾ أي نقول يوم ﴿هم على النار يفتنون *﴾ أي يرمون فيحرقون ويعذبون ويصبحون.
من الاختلاف مقولاً لهم على سبيل القرع والتوبيخ :﴿ذوقوا فتنتكم﴾.
العقوبة من الفتنة المحيطة.


الصفحة التالية
Icon