ولما كان الخليل عليه السلام أعلم أهل زمانه بالأمور الإلهية، علم أن اجتماع الملائكة على تلك الهيئة التي يراهم فيها ليس لهذه البشارة فقط، فلذلك استأنف تعالى الجواب لمن كان كأنه قال : ما كان من حاله وحالهم بعد هذا ؟ بقوله :﴿قال﴾ أي قال مسبباً عما رأى من حالهم :﴿فما خطبكم﴾ أي خبركم العظيم ﴿أيها المرسلون *﴾ أي لأمر عظيم ﴿قالوا﴾ قاطعين بالتأكيد بأن مضمون خبرهم حتم لا بد منه، ولا مدخل للشفاعة فيه :﴿إنا أرسلنا﴾ أي بإرسال من تعلم ﴿إلى قوم مجرمين *﴾ أي هم في غاية القوة على ما يحاولونه وقد صرفوا ما أنعم الله به عليهم من القوة في قطع ما يحق وصله ووصل ما يحق قطعه ﴿لنرسل عليهم﴾ أي من السماء التي فييها ما وعد العباد به وتوعدوا ﴿حجارة من طين *﴾ أي مهيأ للاحتراق والإحراق ﴿مسومة﴾ أي معلمة بعلامة العذاب المخصوص.
ولما كان قد رأوا اهتمامه بالعلم بخبرهم خشية من أن يكونوا أرسلوا لعذاب أحد يعز عليه أمره، أمنوا خوفه بوصف الإحسان فقالوا :﴿عند ربك﴾ أي المحسن إليك بهذه البشارة وغيرها ﴿للسرفين *﴾ أي المتجاوزين للحدود غير قانعين بما ابيح لهم.
٢٨٠
ولما كان من المعلوم أن القوم يكونون تارة في مدر وتارة في شعر، وعلم من الآيات السالفة أن العذاب مختص بذوي الإسراف، سبب عن ذلك مفصلاً لخبرهم قوله تعلى معلماً أنهم في مدر :﴿فأخرجنا﴾ بما لنا من العظمة بعد أن ذهبت رسلنا إليهم ووقعت بينهم وبين لوط عليهم السلام محاولات معروفة لم تدع الحال هنا إلى ذكرها، والملائكة سبب عذابهم، وأهل القرية المحالون في أمرهم لا يعرفون ذلك، وهذه العبارة إن كانت إخباراً لنا كانت خبراً عما وقع لنعتبر به، وإن كانت لإبراهيم عليه السلام كان معناها أن الحكم الأعظم وقع بإخراجهم بشارة له بنجاتهم ﴿من كان فيها﴾ أي قراها.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٧٩