ولما أتم قصة من جمع له السحاب والماء والنار والريح، أتبها قصة من أتاهم بريح ذارية لم يوجد قط مثلها، وكان أصلها موجوداً بين ظهرانيهم وهم لا يشعرون، بل قاربت الوصول إليهم وهم يظنونها مما ينفعهم :﴿وفي عاد﴾ أي آية عظيمة ﴿إذ﴾ أي حين ﴿أرسلنا﴾ بعظمتنا ﴿عليهم﴾ إرسال علو وأخذ ﴿الريح﴾ فأتتهم تحمل سحابة سوداء وهي تذروا الرمل وترمي بالحجارة على كيفية لا تطاق ﴿العقيم *﴾ أي التي لا ثمرة لها فلا تلقح شجراً ولا تنشىء سحاباً ولا تحمل مطراً ولا رحمة فيها ولا بركة فلذلك أهلكهم هلاك الاستئصال، ثم بين عقمها وإعقامها بقوله :﴿ما تذر﴾ أي تترك على حال ردية، وأعرق في النفي فقال :﴿من شيء﴾ ولما كان إهلاكها إنما هو بالفاعل المختار، نبه على ذلك بأداة الاستعلاء فقال :﴿أتت عليه﴾ أي إتيان إرادة مرسلها، استعلاها على ظاهره وباطنه، وأما من أريدت رحمته كهود عليه السلام ومن معه رضي الله عنهم فكان لهم روحاً وراحة لا عليهم ﴿إلا جعلته كالرميم *﴾ أي الشيء البالي الذي ذهلته الأيام والليالي، فصيره البلى إلى حالة الرماد، وهو في كلامهم ما يبس من نبات الأرض ودثر - قاله ابن جريج، وخرج بالتعبير بـ " تذر " هود عليه السلام ومن معه من المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين، فإنهم تركتهم على حالة حسنة لم يمسهم منها سوء كما أشير إلى مثل ذلك بأداة الاستعلاء.
٢٨٣


الصفحة التالية
Icon