ولما أتم قصة من أهلكوا بما من شأنه الإهلاك وهو الصاعقة، أتبعهم قصة من أهلكوا بما من شأنه الإحياء، وهو الماء الذي جل ما يشتمل عليه الحلامات التي أثرتها الذاريات، وقد كانوا موجودين في الأرض والسماء - وأسبابه مهيأة - وهم لا يسحون بشيء من ذلك، وأما عبادنا المؤمنون فهيأنا لهم أسباب النجاة من السفينة وغيرها، وأعلمناهم بها، فكان كل ما أردنا وقاله عنا أولياؤنا فقال مغيراً للأسلوب تنبياً على العظمة بنفسه الإهلاك لكونه بما من شأن الإحياء والإبقاء والتصرف في الأسباب :﴿وقوم﴾ أي وأهلكنا قوم ﴿نوح﴾ على ما كان فيهم من الكثرة وقوة المحاولة والقيام بما يريدونه، ويجوز أن يكون معطوفاً على " فيها " أي وتركناهم آية، ويحسن هذا الإعراب أنهم هلكوا جميعاً وكانوا جميع أهل الأرض، وعم عذابهم جميع الأرض، كانوا لهم الآية، ويؤيد هذا الإعراب قراءة أي عمرو وحمزة والكسائي بالجر عطفاً على ضمير " فيها ".
٢٨٤
ولما كان إهلاكهم على عظمه وانتشاره في بعض الزمان، أجخل الجارّ فقال :﴿من قبل﴾ أي قبل هذه الأمم كلها، ثم علل إهلاكهم بقوله :﴿إنهم كانوا﴾ خلقاً وطبعاً، لا حيلة لغيرنا من أهل الأسباب في صلاحهم ﴿قوماً﴾ أي أقوياء ﴿فاسقين *﴾ أي عريقين في الخروج عن حظيرة الدين.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٨٢
ولما كان إهلاكهم بالماء الذي نزل من السماء، وطلع من الأرض بغير حساب، كان ربما ظن ظان أن كان الخلل كان فيهما، ثم أصلح بعد ذلك كما يقعل لبعض من يصنع من الملوك صنعاً يبالغ في إتقانه فيختل، قال عاطفاً على ما نصب " يوم " مبيناً أن فعل ذلك ما كان بالاختيار، دالاًّ على وحدانيته لتمام القدرة الدالة على ما تقدم من أمر البعث :﴿والسماء بنيناها﴾ بما لنا من العظمة ﴿بأيد﴾ أي بقوة وشدة عظيمة لا يقدر قدرها.