أن مضى على ذلك سنتان حين جهدهم العيش ومضّهم الزمان وزلزلتهم القوارع زلزالاً شديداً وهم ثابتون ليظهر الله بذلك شرف منشاء من عباده - الأرضة، فأبقت ما فيها من أسماء الله تعالى ومحت ما كان من ظلمهم وقطيعتهم، فكان ذلك سبباً لأن قام في نقضها معشر منهم، فنقضها الله بهم، وكانوا إذا ذاك كفرة كلهم ليظهر الله قدرته سبحانه على كل من النقض والإبرام بما شاء ومن شاء ﴿والبيت المعمور *﴾ الذي هو قيام للناس كما كانت قبة الزمان قياماً لبني إسرائيل، هذا إن كان تعالى أراد به الكعبة التي علقوا فيها الصحيفة بعد أن كانوا لما عمروها اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في اموضعه، وزاد بهم الاختلاف حتى تهيؤوا للقتال وتحالفوا عليه، فكان منهم لعقة الدم، ومنهم المطيبون كما هو مشهور في السير، ثم وفقوا لأن رضوا أن يحكم بينهم أو داخل من باب عينوه، فكان أول داخل منه النبي ﷺ فقالوا بأجمعهم : هذا محمد هذا الأمين، رضينا بحكمه، فحكم صلى الله علي وسلم بأن يوضع الحجر الشريف في ثوب ويأخذ رئيس كل قبيلة بطرف من أطرافه ويرفعوه كلهم، فلما وازى موضعه أخذه هو ﷺ بيده الشريفة فوضعه في موضعه، فكان الفخر له مضاعفاً بحكمه وإصلاحه بينهم، واختصاصه بوضعه وهو معمور بالزوار والخدمة وكثرة الحاشية.


الصفحة التالية
Icon