وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما توعد تعالى كفار قريش ومن كان على طريقتهم من سائر من كذب رسول الله ﷺ أنهم سيصيبهم ما أصاب غيرهم من مكذبي الأمم، المنبه على ذكرهم في السورة قبل، ثم أشار سبحانه إلى عظيم ما ينالهم من الخزي وأليم العذاب بقوله :﴿فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون﴾ [الذاريات : ٦٠] أقسم سبحانه على صحة ذلك ووقوعه - والعياذ به سبحانه من سخطه وأليم عذابه - فقال تعالى :﴿والطور - إلى قوله : إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع﴾ ثم أومأ سبحانه إلى مستحقيه ومستوجبيه فقال ﴿فويل يومئذ للمكذبين﴾ ثم ذكر ما يعنفون به ويوبخون على ما سلف منهم من نسبته عليه الصلاة والسلام إلى السحر فقال تعالى ﴿ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون﴾ [سبأ : ٤٢] ﴿أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون﴾
٢٩٤
ثم أعقب بذكر حال المؤمنين المستجيبين، ثم ذكر إثر إعلامه بحال الفريقين - نعمته على نبيه عليه الصلاة والسلام وعصمته ووقاتيه مما يقول المفترون فقال تعالى ﴿فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون﴾ ثم جرت الآي على توبيخهم في مقالتهم ووهن انتقالاتهم، فمرة يقولون : كاهن، ومرة يقولون : مجنون، ومرة يقولون : شاعر يترقب موته.
فوبحهم على ذلك كله وبين كذبهم وأرغمهم وأسقط ما بأيديهم بقوله ﴿فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين﴾ وهذا هو المسقط لما تقولاه أولاً وآخراً، وهذا الذي لم يجدوا عنه جواباً، ورضوا بالسيف والجلاء، لم يتعرضوا لتعاطي معارضته، وهذاهو الوارد في قوله تعالى في صدر سورة البقرة ﴿وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله﴾ [البقرة : ٢٣] الآيات، فما نطقوا في جوابه ببنت شفة ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله﴾ [الإسراء : ٨٨] فتبارك من جعله آية باهرة وحجة قاهرة - انتهى.