ولما ذكر ما للمكذبين من العذاب المشار إليه بكلمات القسم، أتبعه ما لأضدادهم من الصواب المنبه عليه أيضاً بتلك الكلمات ليتم الخبر ترغيباً وترهيباً، فقال جواباً لمن كأنه قال : فما لمن عاداهم فيك ؟ مؤكداً لما للكفار من التكذيب :﴿إن المتقين﴾ أي الذين صارت التقوى لهم صفة راسخة ﴿في جنات﴾ أي بساتين دائماً في الدنيا حكماً وفي الآخرة.
ولما كانت البساتين ربما يشقى داخلها أو صاحبهان نفى هذا بقوله :﴿ونعيم *﴾ أي نعيم في العاجل، يعني بما هم فيه من الأنس، والآجل بالفعل، وزاد في تحقيق التنعم بقوله :﴿فاكهين﴾ أي معجبين متلذذين ﴿بما آتاهم ربهم﴾ الذي تولى تربيتهم بعملهم باطلاعات إلى أن أوصلهم إلى ذهاب النعيم، فهو لأن عظمته من عظمته لا يبلغ كنه وصفه.
ولما كان المتنعم قد تكون نعمته بعد عذاب، فبين أنهم ليسوا كذلك فقال :﴿ووقاهم﴾ أي قبل ذلك ﴿ربهم﴾ أي المتفضل بتربيتهم بكفهم عن المعاصي والقاذورات ﴿عذاب الجحيم *﴾ أي النار الشديدة التوقد.
ولما كان من باشر النعمة وجانب النقمة في هناء عظيم، قال مترجماً لذلك على تقدير القول :﴿كلوا﴾ أي أكلاً هنيئاً ﴿هنيئاً﴾ أي لا نقص فيه، وهو صفة في موضع المصدر أي هنأتم بمعنى أن كل ما تتناولونه مأمون العاقبة من التخمة والسقم ونحوها ﴿بما كنتم﴾ أي كوناً راسخاً ﴿تعملون *﴾ أي مجددين له على سبيل الاستمرار حتى كأنه طبع لكم.
ولما كان النعيم لا يتم إلا بأن يكون الإنسان مخدوماً، نبه عليه بقوله :﴿متكئين﴾ أي مستندين استناد راحة، لأنهم يخدمون فلا حاجة لهم إلى الحركة ﴿على سرر مصفوفة﴾ أي منصوبة واحداً إلى جنب واحد، مستوية كأنها السطور على أحسن نظام وأبدعه، قال الأصبهاني : والصفة : مد الشيء على الولاء.
ولما كان السرور لا يتم إلا بالتنعم بالنساء قال :﴿وزوجناهم﴾ أي تزويجاً يليق بما لنا من العظمة.


الصفحة التالية
Icon