حقيقة أو حكماً وكل حسن مرتفع، فلذلك يلتحق بأبيه، وأما الإساءة فقاصرة على صاحبها يؤخذ بها ويرهن بذنبه ولا يؤخذ بذنب غيره، والحاصل أن المعالي التي هي كالحياة تفيض من صاحبها على غيره فتحييه، والمساوئ التي هي كالموت لا يتعدى صاحبها، قال الرازي في اللوامع : اعلم أن الذوات بقاؤها ودوامها ببقاء صورها، فحيث ما كانت الصورة المقومة لها أدوم كانت الذوات بها أقوم، وأن النفوس الإنسانية ذوات وصورها علومها وأخلاقها، فحيث ما كانت العلوم حق اليقين ثم عين اليقين، والأخلاق مقومة على نهج الشرع المبين، كانت النفوس دائمة بدوامها غير مستحيلة، إذ لا تتطرق الاستحالة إلى اليقين والعمل الحق، وغير كائنة ولا فاسدة إذ ليس عن اليقين ولا العلوم الحقيقية من عالم الكون والفساد، وإن لم تبلغ النفس إلى كمال اليقين فتعلقت بدليل صاحبه كما انخرطت في سلكها حتى يخرط الإنسان في سلك محبته، لو أحب أحدكم حجراً لحشر معه، فإن الدين هو الحب في الله والبغض في الله، ولهذا اكتفى الشرع من المكلفين بالإسلام وتسليم وتفويض وتحكيم دون الوقوف على المسائل العويصة بالبراهين الواضحة الصحيحة، وما لم يبلغ الولد حد التكليف واخترم ألحقوا بآبائهم وحكم عليهم بحكم عقائدهم وآرائهم حتى يكون حكم آبائهم جارياً عليهم وحكم القيامة نافذاً فيهم، وأما إذا كانت الصورة القائمة بالذوات مستحيلة بأن كانت جهلاً وباطلاً ينقص أوله آخره وآخره أوله، كانت ذات النفس لا تنعدم ولا تفنى بل تبقى على حال لا يموت فيها ولا يحي، فإنها لو فنيت لاستراحت ولو بقيت لاستطابت، فهي على استحالة بين الموت والحياة، وهذه الاستحالة لا تكون إلا في أجساد وأبدان ﴿كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها﴾ [النساء : ٥٦] انتهى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٩٧