والنهي ﴿بهذا﴾ أي وهم يعتقدون صحته وأنه العدل السواء لأنه متقيدون بالأحلام والنهي على ما فيه من الفساد بالتناقض بعد اختلال كل قول منه على حدته كما تقدم بيانه، وهو توبيخ عظيم بالإشارة إلى أنه ليست لهم عقول أصلاً لقولهم هذا، فإن الكاهن شرطه أن يكون في غاية المعرفة عندهم حتى أنهم يجعلونه حكماً وربما عبدوه، والمجنون لا يصلح لصالحة لأنه لا يعقل، والشاعر بعيد الأمر بوزن الكلام وكثرته من سجع الكاهن وغيه وكلام المجنون :﴿أم هم﴾ بظواهرهم وبواطنهم ﴿قوم﴾ أي ذوو قوة على ما يحاولونه فهم لذلك ﴿طاغون﴾ أي مجازون للحدود، وذلك عادة لهم بما أفهمه الوصف، فهم لذلك لا يبالون بالعناد الظاهر في مخالفته لما تأمر به الأحلام والنهى، ولا يقوله إلا الطغاة السفهاء مع ظهور الحق لهم، فهم يقولون الكلام المتناقض غير مبالين بأحد ولا مستحيين من أن ينسبوا إلى العدوان والمبالغة في العصيان، والآية من الاحتباك : ذكر الأحلام أولاً دليلاً على ضدها ثانياً، والطغيان ثانياً على ضده " العدل السواء " أولاً، وسره أن ما ذكر أشد تنفيراً من السوء وأعظم تقبيحاً له وتحذيراً منه ﴿أم يقولون﴾ ما هو أفحش عاراً من التناقض :﴿تقوله﴾ أي تكلف قوله من عند نفسه كذباً وليس بشعر ولا كهانة ولا جنون، وهم على كثرتهم وإلمام بعضهم بالعلم وعرافة آخرين في الشعر والخطب والترسل والسجع يعجزونه عن مثله بل عن مثل شيء منه.
ولما كان الكلام حقيقة في النفس، وكانوا يعلمون بطلان جميع ما يقولونه من ذلك، كان التقدير : لم يقولوا شيئاً من ذلك حقيقة واعتقاداً ﴿بل لا يؤمنون *﴾ أي لا يقرون بالحق مع علمه مببطلان قولهم وتناقضه عناداً منهم لا تكذيباً في الباطن.
٣٠٣


الصفحة التالية
Icon