ولما كان ما مضى على تقدير وجود الإله مع الشركة، وكان ادعاؤهم الولد عظيماً جداً لدلالته على حاجته وضعفه، وكان جعله بنات أعظم لأنه دال مع ضعفه على سفهه، دل على استعظامه بالالتفات إلى خطابهم بعذابهم فقال :﴿أم له البنات﴾ أي كما ادعيتم ﴿ولكم﴾ أي خاصة ﴿البنون *﴾ لتكونوا أقوى منه فتكذبوا رسوله محمداً ﷺ وتردوا قوله من غير حجة فتكونوا آمنين من عذاب يأتيكم منه لضعفه وقوتكم، وهذه الأقسام كلها على تقدير التكذيب، وهي هنا بذكر ما على تقدير التصديق، وإنما وقع الرد فيها لعارض عرض.
ولما كان المكذب بشيء قد يكون معترفاً بأنه من عند إله، وأن إلهه متصف بجميع صفات الكمال فلا شريك له، وإنما تكذيبه لقادح لا يقدر عليه، وكرب رمى بجميع أنكاده إليه، أعرض عنهم التفاتاً إلى الأسلوب الأول فقال مخاطباً له ﷺ تنويهاً بذكره ورفعاً لعظيم قدره وتسلية لما يعلم من نفسه الشريفة البراءة منه :﴿أم تسألهم﴾ أي أيها الطاهر الشيم البعيد عن مواضع التهم ﴿أجراً﴾ على إبلاغ ما أتيتهم به ﴿فهم من مغرم﴾ ولو قل، والمغرم : التزام ما لا يجب ﴿مثقلون *﴾ أي حمل عليهم حامل بذلك ثقلاً فهم لذلك يكذبون من كان سبباً في هذا الثقل بغير مستند ليسترحوا مما جره لهم من الثقل.
ولما كان من يدعي الانفراد بشيء يحسد من يدعي مشاركته فيه قال :﴿أم عندهم﴾ أي خاصة بهم ﴿الغيب﴾ أي علمه ﴿فهم يكتبون *﴾ أي يجددون للناس كتابة جميع ما غابة عنهم مما ينفعهم ويضرهم حتى يحسدونك فيما شاركتهم به منه، فيردوه لذلك، وينسبوك إلى ما نسبوك إليه مما يعلم كل أحد ترافعك عنه وبعدك منه ﴿أم يريدون﴾ بهذا القول الذي يرمونك به ﴿كيداً﴾ أي مكراً أو ضرراً عظيماً يطفئون به نور
٣٠٦


الصفحة التالية
Icon