ولما كان التقدير تسكيناً لقلب من يريد إجابتهم إلى الآيات المقترحات طمعاً في إيمانهم : فلقد تلونا عليهم في هذه السورة وغيرها من الآيات، وخلونا من المعجزات البينات، وأتينا من تناقضهم في هذه التقسيمات، بما يهد الجبال الشامخات، وبينا من فضائحهم بحين سوقها وحلاوة ذوقها، وصحة معانيها وإحكام مبانيها، ما يزلزل الراسيات، ويحل العزمات، ويفرج الأزمات، ويصد ذوي المروات عن أمثال هذه النقائص الفاضحات، لما لها من الأدلة الواضحات، ولكنهم لما ألزمناهم به من العكس لا يؤمنون، وكدناهم بما أعمينا من بصائرهم فهم لا يعلمون أنهم الميكيدون، عطف عليه قوله :﴿وإن يروا﴾ أي معاينة ﴿كسفاً﴾ قطعة، وقيل : قطعاً واحدتها كسفة مثل سدرة وسدر ﴿من السماء﴾ نهاراً جهاراً ﴿ساقطاً يقولوا﴾ لدداً وتجلداً في البغي إصراراً، وتعلقهم بما أمكنهم من الشبه تخييلاً على العقول وإيقافاً لذوي الآراء والفهوم دأب الأصيل في نصر الباطل ومكابرة الحق لما لهم من العراقة يعمى القلوب بما لنا من القدرة على صرفهم عن وجوه الأمر : هذا ﴿سحاب﴾ فإن قيل لهم : هو مخالف للسحاب بصلابته، قالوا :﴿مركوم *﴾ أي تراكم بعضه على بعض فتصلب، ولذلك سبب عن هذا الحال الدال على أنهم وصلوا في عمى الصائر إلى أنه لو جاءتهم كل آية لا يؤمنون، قوله لنبيه ﷺ ومن تبعه :﴿فذرهم﴾ أي اتراكهم على شر أحوالهم ﴿حتى يلاقوا﴾ سعياً بسوء أعمالهم ﴿يومهم﴾ كما أنه هو يسعى إليهم لا ستحقاقهم لما فيه ﴿الذي فيه﴾ لا في غيره لأن ما حكمنا به لا يتقدم ولا يتأخر ﴿يصعقون *﴾ بالموت من شدة الأهوال وعظيم الزلزال كما صعق بنو إسرائيل في الطور، ولكنا لانقيمهم كما أقمنا أولئك إلا عند النفخ في الصور لنحشرهم إلى الحساب الذي يكذبون به، والظاهر أن هذا اليوم يوم بدر فإنهم كانوا قاطعيت بالنصرة فيها فما أغنى أحد منهم عن أحد منهم عن أحد شيئاً كما قال أبو سفيان بن الحارث : ما هو إلا أن لقيناهم


الصفحة التالية
Icon