وحينئذ يكون ضمير " استوى " له صل الله عليه وسلم، ويكون المعنى : فتسبب عن تعليم جبريل له استواوه - أي اعتدال علمه - إلى غاية لم يصلها غيره من الخلق علماً وكسباً بالملك والملكوت والحال أنه بالأفق الأعلى ليلة الإسراء، وتدليه كناية عن وصوله بسبب عظيم حامل السبب للمتدلي، وعبر به وهو ظاهر في النزول من علو مع عدم الانفصال منه لئلا يوهم اختصاص جهة العلو به سبحانه دون بقية الجهات، ومنه "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" وكذا قيل في الإشارة بـ "لا تفضلوني على يونس بن متى" ومن المحاسن جداً أن تكون ألف ﴿تدلى﴾ المقلبة عن ياء في هذا الوجه بدلاً من لام فيكون من التدلل وهو الانبساط
٣١٧
وثوقاً بالمحبة، يقال : تدلل عليه، أي انبسط ووثق بمحبته فأفرط عليه، وانبساطه ﷺ في تلك الحالة إفراط كثرة سؤاله، وشفاعته في أمته، وبذكل ظهر إلى عالم الشهادة أنه أرحم الخلق كما كان معلوماً إلى عالم الغيب، فتسبب عنه زيادة تقريبه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، وإبراز هذا الكلام في هذه الضمائر المتحملة لهذه الوجوه من غير ظاهر يعين المراد يناسب لتلك الحالة، فإنها كانت حالة غيب وخفاء وستر، وكان العلم فيها واسعاً، وسوق الضمائر هكذا يكثر احتمال الكلام للوجوه، فيتسع العلم مع أنه ليس فيها وجه يؤدي إلى لبس في الدين ولا ركاكة في معنى ولا نظم ولا مجال للعلم - والله أعلم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١٥