ولما أثبت هذا الكلام ما أثبت من القرب من النبي ﷺ ممن أوحى إليه على كلا التقديرين، قرره على وجه أفاد الرؤية فقال :﴿ما كذب الفؤاد﴾ أي القلب ألذي هو في غاية الذكاء والاتقاد ﴿ما رأى﴾ البصر أي حين رؤية البصر كان القلب، لا أنها رؤية بصر فقط تمكن فيها - للخلو - عن حضور القلب - النسبة إلى الغلط، وقال القشيري ما معناه : ما كذب فؤاد محمد ﷺ ما رآه بصره، بل رآه على الوصف الذي علمه قبل أن رآه فكان علمه حق اليقين، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال : سألت رسول الله ﷺ " هل رأيت ربك ؟ قال :"نور إليّ أراه"، وفي صحيح مسلم أيضاً عن مسروق أنه قال لعائشة رضي الله عنها لما أنكرت الرؤية : ألم يقل الله تعالى ﴿ولقد رآه بالأفق المين﴾ و﴿لقد رآه نزلة أخرى﴾ فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله ﷺ فقال :"إنما هو جبرئيل عليه السلام، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض" قال البغوي : وذهب جماعة إلى أنه رآه فقال بعضهم : جعل بصره في فؤاده، ثم روي من صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال :" رآه بفؤاده مرتين " وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه وهو قول أنس رضي الله عنه، وقال ابن برجان ما معناه : إن
٣١٨
النوم والصعق من آيات الله على لقاء الله وهي مقدمات لذلك، ولكل حقيقة حق يتقدمها كأشراط الساعة، والإسراء وإن لم يكن موتاً ولا صعقاً ولا نوماً على أظهر الوجوه فقد خرج عن مشاهدات الدنيا إلى مشاهدات الأفق الأعلى فلا تنكر الرؤية هنالك، فالإسراء حالة غير حالة الدنيا، بل هي من أحوال الآخرة وعالم الغيب - والله الهادي.