ولما كانوا ينكرون أن يرجعوا به عما هم فيه، وأن يكون من عند الله، أكد ما يكذبهم من قوله فيما مضى آخر الشورى أنه نور وهدىً وروح معبراً بالجعل لذلك دون الإنزال لأنه قددل عليه جميع السور الماضية تارة بلفظه وأخرى بلفظ الوحي، فقال مقسماً بالكتاب على عظمة الكتاب، قال السمين : ومن البلاغة عندهم كون القسم والمقسم عليه من واد واحد، وهذا إن أريد بالكتاب القرآن فإن أريد به أعم منه كان بعض القئم به، وصرف القول إلى مظهر العظمة تشريفاً للكتاب :﴿إنا جعلناه﴾ أي صيرناه ووضعناه وسميناه مطابقة لحاله بالتعبير عن معانيه بما لنا من العظمة ﴿قرآناً﴾ أي مع كونه مجموع الحروف والمعاني جامعاً، ومع كونه جامعاً فارقاً بين المتبسات ﴿عربياً﴾ أي جارياً على قوانين لسانهم في الحقائق والمجازات والمجاز فيه أغلب لأنه أبلغ ولا سيما اللكنايات والتمثيلات، وصرف القول عن تخصيص نبيه ﷺ بالخطاب إلى خطابهم تشريفاً له ﷺ ولهم فيما يريده بهم وتنبيهاً على سفول أمرهم في وقت نزولها فقال :﴿لعلكم تعقلون *﴾ أي لتكونوا أيها العرب على رجاء عند من يصح منه رجاء من أن تعقلوا أنه من عندنا لم تبغوا له أحداً علينا وتفهموا معانيه وجميع ما في طاقة البشر مما يراد به من حكمه وأحكامه، وبديع وصفه ومعجز وصفه ونظامه، فترجعوا عن كل ما أنتم فيه من المغالبة، ولا بد أن يقع هذا الفعل، فإن القادر إذا عبر بأداة الترجي حقق ما يقع ترجيه، ليكون بين كلامه وكلام العاجز فرق، وسيبلغ هذا الجامع أقصاكم كما عرض على أدناكم وكل منكم يعلم أنه عاجز عن مباراة آية منه في حسن معناها، وجزالة ألفاظها وجلالة سبكها، ونظم كل كلمة منها بالمحل الذي لا يمكن زحزحتها عنه بتقديم ولا تأخير، ولا أن يبدل شيء منها بما يؤدي معناه أو يقوم مقامه، كما أن ذلك في غاية الظهور في موازنة ﴿في القصاص حياة﴾ [البقرة : ١٧٩] مع " القتل أنفى للقتل " وذلك بعض آية فكيف