ولما أخبر باتباعهم للهوى ونفى أن يكون لهم من ذلك ما يتمنونه دل على اتباعهم للهوى بقوله موضع ﴿أنهم﴾ :﴿إن الذين﴾ وأكد تنبيهاً على أنه قول بالغ في العجب الغاية فلا يكاد يصدق أن عاقلاً بالآخرة يقوله بما جرى لهم على قولهم ذلك وأمثاله بقوله :﴿لا يؤمنون﴾ أي لا يصدقون ولا هم يقرون ﴿بالآخرة﴾ ولذلك أكد قوله :﴿ليسمون الملائكة﴾ أي كل واحد وهم رسل الله ﴿تسمية الأنثى﴾ بأن قالوا : هي بنات الله، كما يقال في جنس الأنثى : بنات ﴿وما﴾ أي والحال أنهم ما ﴿لهم به﴾ أي بما سموهم به، وأعرق في النفي بقوله :﴿من علم﴾ ولما نفى علمهم شوف السامع إلى الحامل لهم على ذلك فقال :﴿إن﴾ أي ما ﴿يتبعون﴾ أي بغاية ما يكون في ذلك وغيره ﴿إلا الظن﴾.
٣٢٥
ولما كانوا كالقاطعين بأن ذلك ينفعهم، أكد قوله :﴿وإن الظن﴾ أي مطلقاً في هذا وغيره، ولذلك أظهر في موضع الإضمار ﴿لا يغني﴾ إغناءً مبتدئاً ﴿من الحق﴾ أي الأمر الثابت في نفس الأمر الذي هو حقيقة الشيء وذاته بحيث يكون الظن بدله، والظن إنما يعبر به في العمليات لا العلميات ولا سيما الأصولية ﴿شيئاً﴾ من الإغناء عن أحد من الخلق فإنه لا يؤدي أبداً إلى الجزم بالعلم بالشيء على ما هو عليه في نفس الأمر فهو ممنوع في أصول الدين، فإن المقصود بتحقق الأمر على ما هو عليه في الواقع، وأما الفروع فإن المكلف به فيها هو الظن لكن بشرطه المأذون فيه، وهو رده إلى الأصول المستنبط منها لعجز الإنسان على القطع في جميع الفروع، تنبيهاً على عجزه وافتقاره إلى الله ليقبل عليه ويتبرأ من حوله وقوته ليكشف له من الأحقاف.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٢٣


الصفحة التالية
Icon