ولما كانوا بعد مجيء الهدى قد أصبروا على الهوى، وكانت هذه السورة في أوائل ما نزل، والمؤمنون قليل، سبب عن ذلك :﴿فأعرضوا عن من تلوى *﴾ أي كلف نفسه خلاف ما يدعو إليه العقل والفطرة من ولى ﴿عن ذكرنا﴾ أي ذكره إيانا، فأعرض عن الذكر الذي أنزلناه فلم ينله ولم يتدبر معانيه فلا يلتفت إلى شيء علمه فإنه مطموس على قلبه ولو كان ذهنه أرق من الشعر فإنه لا يؤول إلا إلى شر ﴿ولا تذهب نفسك عليهم حسرات﴾ [فاطر : ٨] فإنه ما عليك إلا البلاغ.
ولما كان المعرض في وقت قد يقبل في آخر، دل على دوامه على وجه بليغ بقوله :﴿ولم يرد﴾ أي في وقت من الأوقات ﴿إلا الحياة الدنيا *﴾ أي الحاضرة ليقصده بالمحسوسات كالبهائم في العمى عن دناءتها وحقارتها، ثم ترجم جملتي الإعراض والإرادة بقوله :﴿ذلك﴾ أي الأمر المتناهي في الجهل والقباحة ﴿مبلغهم﴾ أي نهاية بلوغهم وموضع بلوغهم والحاصل لهم، وتهكم بهم بقوله :﴿من العلم﴾ أنه لا علم لهم لأن عيون بصائرهم عمي، ومرائبها كثيفة مظلمة لا تكشف عن نظر الآخرة التي هي أصل العلوم كلها، ثم علل هذه الجملة بقوله مؤكداً قطعاً لطمع من يظن أن وعظه وكلامه يرد أحداً من غيره وإن أبلغ في أمره ودعائه في سره وجهره، وإعلاماً بأن
٣٢٦


الصفحة التالية
Icon