ولما أمره ﷺ بالإعراض عنهم وسلاه وأعلمه أن الكل في ملكه، فلو شاء لهداهم ورفع النزاع، ولكنه له في ذلك حكم تحار فيها الأفكار، علل الإعراض كما تقدم في الجاثية في قوله :﴿قل للذين آمنوا يغفروا﴾ [الجاثية : ١٤] بقوله :﴿ليجزي﴾ أي يعاقب هو سبحانه كافياً لك ما أهمك من ذلك، ويجوز أن يكون التقدير : وكما أنه سبحانه مالك ذلك فهو ملكه ليحكم بجزاء كل على حسب ما يستحق، فإن الحكم نيتجة الملك ﴿الذين أساؤوا﴾ بالضلال ﴿بما عملوا﴾ أي بسببه وبحسبه إما بواسطتك وبسيوفك وسيوف أتباعك إذا أذنت لكم في القتال، وإما بغير ذلك بالموت حتف الأنف بضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم، ثم بعذاب الآخرة على جميع ذنوبهم من غير أن يكون عجل لهم في الدنيا شيء ينقص بسببه عذاب الآخرة ﴿ويجزي﴾ أي يثبت ويكرم ﴿الذين أحسنوا﴾ أي على ثباتهم على الدين وصبرهم عليه وعلى أذى أعدائهم ﴿بالحسنى *﴾ أي الثبوت الذي هو في غاية الحسن ما بعدها غاية، فإن الحسنى تأنيث الأحسن.
ولما وعد الذين وقع منهم الإحسان، وصفهم فقال :﴿الذين يجتنبون﴾ أي يكلفون أنفسهم ويجهدونها على أن يتركوا ﴿كبائر الإثم﴾ أي ما عظم الشارع إثمه بعد الحريمه بالوعيد والحد، وعطف على ﴿كبائر الإثم﴾ قوله :﴿والفواحش﴾ والفاحشة من الكبائر ما يكرهه الطبع وينكره العقل ويستخسّه.
٣٢٧