ولما أفهم هذا التقييد أن من خالط ما دون كان مغفوراً له، صرح به فقال :﴿ألا﴾ أي لكن ﴿اللمم﴾ معفو، فمن خالطه لا يخرج عن عداد من أحسن، فهو استثناء منقطع، ولعله وضع فيه ﴿إلا﴾ موضع ﴿لكن﴾ إشارة إلى الصغير يمكن أن يكون كبيراً باستهانته مثلاً كما قال تعالى ﴿وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم﴾ [النور : ١٥] واللمم هو صغار الذنوب، والمراد هنا ما يحصل منها في الأحيان كأنه وقع في صحابه فلتة بغير اختيار منه، لا ما يتخذ عادة أاو يكثر حتى يصير كالعادة، قال الرازي في اللوامع : وأصله مقاربة الذنب ثم الامتناع منه قبل الفعل، قال ذو النون : ذكر الفاحشة من العارف كفلعها من غيره - انتهى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٢٦
يقال : وألم بالمكان - إذا قل لبثه فيه، وقال البغوي : قال السدي : قال أبو صالح أنه سئل عن اللمم فقال : هو الرجل يلم بالذنب ثم لا يعاوده، قال : فذكرت ذلك لابن عباس رضي الله عنهما فقال : لقد أعانك عليها ملك كريم، ثم قال البغوي : فأصل الملم والإلمام ما يعمله الإنسان الحين بعد الحين، ولا يكون له إعادة ولا إقامة عليه - انتهىا - وعلى هذا يصح أن يكون الاستثناء متصلاً.
ولما كان الملوك لا يغفرون لمن تكررت ذنوبه إليهم وإن صغرت، فكان السامع يستعظم أن يغفر ملك الملوك سبحانه مثل هذا، علل ذلك بقوله :﴿إن ربك﴾ أي المحسن إليك بإرسالك رحمة للعالمين والتخفيف عن أمتك ﴿واسع المغفرة﴾ فهو يغفر الصغائر حقاً أوجبه على نفسه ويغفر الكبائر إن شاء بخلاف غيره من الملوك فإنه لو أراد ذلك ما أمكنه اتباعه، ولو جاهد حتى تمكن من ذلك في وقت فسدت مملكته فأدى ذلك إلى زوال الملك من يدره أو اختلاله.