ولما دل سبحانه على كمال علمه وشمول قدرته بأمور الخافقين : العلوي والسفلي، فكان ذلك داعياً إلى الإقبال على ما يرضيه، وناهياً عن الإلمام بما يسخطه، شرع في التهديد لمن وقف عن ذلك بما وقع في مصارع الأولين من عجائب قدرته فقال :﴿وأنه أهلك عاداً﴾ ولم يأت بضمير الفصل لأنه لم يدع في أحد غيره إهلاكهم، وهول أمرهم بقوله :﴿الأولى *﴾ أي القدماء في الزمان جداً دلالة على أنه المنصرف في جميع الأزمنة، وقدمهم لأن الشر أتاهم من حيث ظنوه خيراً وجزموا بأنه من الأنواء النافعة التي كانت عادتهم استمطارها، وقيل : إن عاداً قبيلتان : والأولى قوم هود عليه السلام والأخرى إرم ذات العماد - قاله جماعة منهم القشيري، قال البغوي : وكان لهم عقب فكانوا عاداً الأخرى، وقال ابن جرير : وعاداً الأولى هم الذين عنى الله بقوله ﴿ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم﴾ [الفجر : ٦ - ٧] وإنما قيل لهم عاداً الأولى لأن بني لقيم بن هزال هزيل بن عنبل بن عاد كانوا أيأم أرسل الله على هؤلاء عذابه سكاناً بمكة مع إخوانهم من العمالقة ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن وح عليه السلام فلم يصبهم من العذاب ما أصاب قومه وهم عاد الأخرى، ثم هلكوا بعد بغي بعضنهم على بعض فتانوا، وقال غير ابن جرير : إن إرم هم عاد الأخرى، وعطف عليهم قوله :﴿وثموداً﴾ أي أهلكهم ثم سبب عن الإهلاك قوله :﴿فما أبقى *﴾ أي من الفريقين أحداً، ومن قال : إن عاداً قبيلتان جعل عدم الإبقاء خاصاً بثمود، وقراءة عاصم وحمزة ويعقوب بمنع الصرف نص في أنه قوم صالح عليه السلام، وقراءة الباقين بالصرف أنسب للأهلاك والإعدام.
٣٣٤