ولما كان التقدير : فأعرض الكفار عن آية انشقاقه وقالوا : سحر، مع علمهم بأنه دال قطعاً على صدق من انشق لتصديقه، عطف عليه الإعلام بحالهم في المستقبل فطماً لمن يطلبه من المؤمنين إجابة مقترحة من مقترحاتهم رجاء إيمانهم فقال :﴿وإن يروا﴾ أي فميا يأتي ﴿آية﴾ أي أية آية كانت ﴿يعرضوا﴾ أي عن الانتفاع بها كما أن أعرضوا عن هذه لما رأوها، وقال بعضهم : سحر، وقال بعضهم : أملهوا حتى يجيء السفار، فإن قالوا : إنهم رأوا كما رأيتم فليست بسحر، فإن محمداً لا يستطيع أن يسحر أهل الأرض كلهم، فجاء السفار وشهدوا برؤيته منشقاً، ومع ذلك فلم يؤمنوا ﴿ويقولوا﴾ أي على سبيل التجديد منهم والاستمرار : هذا ﴿سحر﴾ أي هذا الذي يأتينا به هذا الرجل من وادي الخيال الذي لا حقيقة له وهو ﴿مستمر *﴾ أي لأنه فارق السحر بأنه لا ينكشف في الحال لأنه محكم ثابت دائم بشموله وإحاطته بجميع الأنواع، ولذلك يتأثر عنه غاية الخوارق المتباينة الأنواع الكثيرة.
ولما فطم عن التشوف إلى إجابتهم في المقترحات على ما قدرته، تسبب منهم عن الانشقاق بقوله :﴿وكذبوا﴾ أي بكون الانشقاق دالاً على صدق الرسول ﷺ وجزموا بالتكذيب عناداً أو خبثاً منهم.
ولما كان التكذيب في نفسه قد يكون حقاً، قال مبيناً أنه باطل، فبين عن حالهم بقوله :﴿واتبعوا﴾ أي بمعالجة فطرهم الأولى المستقيمة في دعائها إلى التصديق ﴿أهواءهم﴾ أي حتى نابذوا ما دلتهم عليه بعد الفطرة الأولى عقولهم، قال القشيري : إذا حصل اتباع الهوى فمن شؤمنه يحصل التكذيب، لأن الله سبحانه وتعالى يلبس على قلب صاحبه حتى لا يستبصر الرشد، واتباع الرضى مقرون
٣٤٥
بالتصديق لأن الله تعالى ببركات الاتباع للحق يفتح عين البصيرة فيأتي بالتصديق - والله الهادي.


الصفحة التالية
Icon