ولما كان الإلقاء يكون للأجسام غالباً، فكان لدفع هذا الوهم تقديم النائب عن الفاعل أولى بخلاف ما تقدم في ص فقالوا :﴿الذكر﴾ أي الوحي الذي يكون به الشرف الأعظم، وعبرا بعلى إشارة إلى أن مثل هذا الذي تقوله لا يقال إلا عن قضاء غالب وأمر قاهر فقال :﴿عليه﴾ ودلوا على وجه التعجب والإنكار بالاختصاص بقولهم :﴿من بيننا﴾ أي وبننا من هو أولى بذلك سناً وشرفاً ونبلاً.
ولما كان هذا الاستفهام لكونه إنكارياً بمعنى النفي، أضربوا عنه بقولهم على وجه النتيجة عطفاً على ما أفهمه الاستفهام من نحو : ليس الأمر كما زعم :﴿بل هو﴾ لما أبدنياه من الشبه ﴿كذاب﴾ أي بليغ في الكذب ﴿أشر *﴾ أي مرح غلبت عليه البطالة متفرغ للقطع مهيأ له خشن الأمر سيئ الخلق والأثر فهو يريد الترفع.
٣٥٨
ولما كان هذا غاية الذم لمن يستحق منهم غاية المدح، أجاب تعالى عنه موعظة لعباده لئلا يتقولوا ما يعلمون بطلانه أو يقولوا ما لا يعلمون صحته بقوله :﴿سيعلمون﴾ بوعد لا خلف فيه.
ولما كان المراد التقريب لأنه أقعد عند نزول العذاب في الدنيا ويوم القيامة، وقراءة ابن عامر وحمزة ورويس عن يعقوب بالخطاب التفات يعلم بغاية الغضب ﴿من الكذاب الأشر *﴾ أي الكذب والأشر وهو احتقار الناس والاستكبار على ما أبدوه من الحق مختص به ومقصود عليه لا يتعداه إلى مرميه وذلك بأنهم جعلوا الكذب ديدنه ولم يتعدهم حتى يدعى شيء منه لصالح عليه الصلاة والسلام، فكان الكلام معيناً لهم في الكذب قاصراً عليهم بسياقه على هذا الوجه المبهم المنصف الذي فيه من روعة القلب وهز النفس ما لا يعلمه حق علمه إلا الله تعالى، وكلما كان الإنسان أسلم طبعاً وأكثر علماً كان له أعظم ذوقاً.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٥٦