ولما أخبر بتوزيع الماء، أعلم أنه على وجه غريب بقوله استئنافاً :﴿كل شرب﴾ أي من ذلك وحظ منه ومورد البرو وقت يشرب فيه ﴿محتضر *﴾ أي أهل لما فيه من الأمر العجيب أن يحضره الحاضرون حضوراً عظيماً، وتتكلف أنفسهم لذلك لأنه صار في كثرته وحسنه كماء الحاضرة للبادية وتأهل لأن تعارضه حاضروه من حسنه ويرجعوا إليه وأن يجتمع عليه الكثير ويعودوا أنفسهم عليه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٥٩
ولما كان التقدير : فكان الأمر كما ذكرنا، واستمر الأمد الذي ضربنا فافتتنوا كما أخبرنا ﴿فنادوا﴾ بسبب الفتنة ﴿صاحبهم﴾ قار بن سالف الذي انتدبوه بطراً وأشراً لقتل الناسقة وكذبنا فيها بوعدهم الإيمان وإكرامها بالإحسان وهو أشقى الأولين ﴿فتعاطى﴾ أي أوقع بسبب ندائهم التعاطي الذي لا تعاطي مثله، فتناول ما لا يحق له يتناوله بسبب الناقة وهو سيفه بيده قائماً في الأمر الناشئ عن هذا الأخذ على كل حال، ورفع رأسه بغاية الهمة ومد يديه مداً عظيماً ورفعها وقام على أصابع رجليه حين عاطوه ذلك أي سألوه فيه فطاوعهم وتناول الناقة بذلك السيف غير مكترث ولا مبال ﴿فعقر *﴾ أي فتسبب عن هذا الجد العظيم أن صدق فيما أثبت لهم الكذب في الوعد بالإحسان إليها والأشر، وهو إيقاع العقر الذي ما كان في ذلك الزمان عقر مثله وهو عقر الناقة التي هي آية الله وإهلاكها.
ولما وقع كذبهم على هذا الوجوه العظيم المبني على غاية الأشر، حقق الله تعالى صدقه في توعدهم على تقدير وقوع ذلك، فأوقع عذابهم سبحانه على وجه هو من عظمه أهل لأن يتساءل عنه، فنبه سبحانه على عظمة بإيراده في أسلوب الاستفهام مسبباً عن فعل الأشقى فقال :﴿فكيف كان﴾ وحافظ على مقام التوحيد كما مضى فقال :﴿عذابي﴾ أي كان على حال ووجه هو أهل لأن يجتهد في الإقبال على تعرفه والسؤال عنه ﴿ونذر *﴾ أي إنذاري.