ولما كان المراد من الموعظين الطاعة التي هي سبب النجاة، فلذا قال ذاكراً للإنعام معبراً عنه بغاية المقصود منه معرفاً أن انتقامه عدل ومعافاته فضل، لأن أحداً لا يقدر أن يكافئ نعمه ولا نعمة منها، معللاً للنجاة :﴿نعمة من عندنا﴾ أي عظيمة غريبة جداً لشكرهم، ولما كان كأنه قيل : هل هذا مختص بهم.
الإنجاء من بين الظالمين وهو مختص بهم، أجاب بقوله :﴿كذلك﴾ أي مثل هذا الإنجاء العظيم الذي جعلنا جزاء لهم ﴿نجزي﴾ بقدرتنا وعظمتنا ﴿من شكر *﴾ أي أوقع الشكر بجميع أنواعه فآمن وأطاع ليس.
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كائناً من كان من سوقه أو سلطان جائر شجاع أو جبان، فاننا عليه بالإنجاء بعد هلاك عدوه، قال القشيري : والشكر على نعم الدفع أتم من الشكر على نعم النفع، ولا يعرف ذلك إلا كل موفق كيس فالآية من الاحتباك : ذكر الإنعام أولاً - لأنه السبب الحقيقي - دليلاً على حذفه ثانياً، والشكر ثانياً - لأنه السبب الظاهر - دليلاً على حذفه أولاً.
ولما كان التقدير دفعاً لعناد.
استشارف السامع إلى ما كان من حاله ﷺ معهم قبل العذاب : لقد بالغ في شكرنا بوعظهم ونصحهم ودعائهم إلنيا صرفاً لما أنعمنا به عليه من الرسالة في أتم مواضعه، عطف عليه إيماء إليه قوله، مؤكداً لأن تمادي المحذور من العذاب على الإقامة في موجبه يكاد أن لا يصدق :﴿ولقد أنذرهم﴾ أي رسولنا لوط عليه السلام ﴿بطشتنا﴾ أي أخذتنا لهم المقرونة بشدة ما لنا من العظمة، ووحد إشارة إلى أ، ه لا يستهان بشيء من عذابه سبحانه بل الأخذة الواحدة كافية لما لنا من العظمة فهي غير محتاجة إلى التثنية، ودل على أن إنذاره كان جديراً بالقبول لكونه واضح الحقيقة بما سبب عن ذلك من قوله :﴿فتماروا﴾ أي تكلفوا الشك الواهي
٣٦٢
﴿بالنذر *﴾ أي الإنذار مصدراً والإنذارات أو المنذرين حتى أداهم إلى التكذيب، فكان سبباً للأخذ.


الصفحة التالية
Icon