ولما كان ترك الاحتياط في إعمال الحيلة في وجه الخلاص من إنذار النذير عظيم العرافة في السفه دل على أنهم تجاوزوا ذلك إلى انتهاك حرمة النذير، فقال مقسماً لأن مثل ذلك لا يكاد يقع فلا يصدق من حكاه :﴿ولقد راودوه﴾ أي زادوا في التكذيب الموجب للتعذيب أن عالجوا معالجة طويلة تحتاج إلى فتل ودوران ﴿عن ضيفه﴾ ليسلمهم إليهم وهم ملائكة في هيئة شباب مرد، وأفردوا وإن كان المراد الجنس استعظاماً لذلك لو كان الضيف واحداً ﴿فطمسنا﴾ أي فتسبب عن مراودتهم أن طمسنا بعظمتنا ﴿أعينهم﴾ فسويناها مع سار الوجوه فصارت بحيث لا يرى لها شق، قال البغوي : هذا قول أكثر المفسرين، وذلك بصفقة صفقها لهم جبريل عليه الصلاة والسلام، وقال القشيري : مسح بجناحيه على وجوههم فعموا ولم يهتدوا للخروج، وقال ابن جرير : والعرب تقول : طمست الريح الأعلام - إذا دفنتها بما يسفي عليها من التراب.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦١
فانطلقوا هراباً مسرعين إلى الباب لا يهتدون إليه ولا يقعون عليه بل يصادمون الجدران خوفاً مما هو أعظم من ذلك وهم يقولون : عند لوط أسحر الناس، وما أدتهم عقولهم أن يؤمنوا فينجوا أنفسهم مما حل بهم، قال القشيري : وكذلك أجرى الله سبحانه سنته في أوليائه بأن يطمس على قلوب أعدائهم حتى يلتبس عليهم كيف يؤذون أولياءه ويخلصهم من كيدهم.
ولما كان.
أول عذابهم قال :﴿فذوقوا﴾ أي فتسبب عن ذلك أن قال قائل عن الله بلسان القال أو الحال : أيها المكذبون ذوقوا بسبب تكذيبكم لرسلي في إنذارهم ﴿عذابي ونذر *﴾ أي وعاقبة إنذاري على ألسنة رسلي.
ولما كان بقاؤهم بعد هذا على حال كفرهم عجباً إذ العادة قاضية بأن من أخذ ارعوى ولو كان أفجر الخلق، وسأل العفو عنه صدقاً أو كذباً خداعاً ومكراً لخلص مما هو فيه.


الصفحة التالية
Icon