بثباتهم على تكذيبهم حتى عذبوا على قرب العهد فقال مقسماً :﴿ولقد صبحهم﴾ أي أتاهم في وقت الصباح، وحقق المعنى بقوله :﴿بكرة﴾ أي في أول النهار بلادهم ورفعها ثم قلبها، وحصبها بحجارة من نار وخسفها غمرها بالماء المنتن الذي لا يعيش به حيوان ﴿مستقر *﴾ أي ثابت عليهم غير مزايل بخيال ولا سحر كما قالوا عند الطمس فإنه أهلكهم فاتصل بعذاب البرزخ المتصل بعذاب القيامة المتصل بالعذاب الأكبر في الطبقة التي تناسب أعمالهم من عذاب النار فقال لهم لسان الحال إن لم ينطلق لسان القال :﴿فذوقوا﴾ بسبب أعمالكم ﴿عذابي ونذر *﴾.
٣٦٣
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦١
ولما كرر هذا التكرير، علم منه أن سبب العذاب التكذيب بالإنذار لأي رسول كان، وكان استئناف كل قصة منبهاً على أنها أهل على حدتها لأن يتعظ بها، علم أن التقدير : فلقد بلغت هذه المواعظ النهاية لمن كان له قلب، فعطف عليه قوله مذكراً بالنعمة التي لا عدل لها :﴿ولقد يسرنا﴾ أي تعالى جدنا وتناهى مجدنا ﴿القرآن﴾ الجامع الفارق ﴿للذكر﴾ ولو شئنا لأعليناه بما لنا من العظمة إلى الحد حتى تعجز القوي عن فهمه، كما أعليناه إلى رتبة وقفت القوى عن معارضته في نظمه، أو مطلع لا يتشبث بأذيال أدنى علمه، إلا الأفراد من حذاق العباد، فكيف بما فوق ذلك.
ولما كانوا مع ذلك واقفين عن المبادرة إليه والإقبال عليه، قال تطلفاً بهم وتعطفاً عليهم مسبباً عن ذلك :﴿فهل﴾ وأكد فقال :﴿من مدكر *﴾ مفتك لنفسه من مثل هذا الذي أوقع فيه هؤلاء أنفسهم ظناً منهم أن الأمر لا يصل إلى ما وصل إليه جهلاً منهم وعدم اكتراث بالعواقب.