ولما ذكر أولاً القرآن الذي هو ميزان المعلومات، ودل على رحمانيته بأنواع من البيان، الذي رقي به الإنسان فصار أهلاً للفهم، وذكره نعمة الميزان للمحسوسات، أقبل بالخطاب عليه لافتاً له عن أسلوب الغيبة تنشيطاً له إلى ارتقاء مراتب الكمال بحسن الامتثال معللاً فقال :﴿أن﴾ أي لأن ﴿لا تطغوا﴾ أي لا تتجاوزا الحدود ﴿في الميزان *﴾ أي الأشياء الموزونة من الموزونات المعروفة والعلم والعمل المقدر أحدهما بالآخر، وفي مساواة الظاهر والباطن والقول والفعل، فالميزان الثاني عام لميزان المعلومات وميزان المحسوسات.
ولما كان التقدير : فاقتدوا بأفعالي وتخلقوا بكل ما آمر به من أقوالي، عطف عليه قوله :﴿وأقيموا الوزن*﴾ أي جميع الأفعال التي يقاس لها الأشياء ﴿بالقسط﴾.
ولما كان المراد العدل العظيم، بينه بالتأكيد بعد الأمر بالنهي عن الضد فقال :﴿ولا تخسروا الميزان *﴾ أي توقعوا في شيء من آلة العدل التي يقدر بها الأشياء من الذرع والوزن والعدل والكيل ونحو - نوعاً من أنواع الخسر - بما دل عليه تجريد الفعل فتخسروا ميزان أعمالكم وجزائكم يوم القيامة، وقد علم بتكرير الميزان ما أريد من التأكيد في الأمر به لما له من الضخامة سواء كان بمعنى واحد أو بمعان مختلفة.
ولما ذكر إنعامه الدال على اقتداره برفع السماء، ذكر على ذلك الوجه مقابلها بعد أن وسط بينهما ما قامتا به من العدل تنبيهاً على شدة العناية والاهتمام به فقال :﴿والأرض﴾ أي ووضع الأرض : ثم فسر ناصبها ليكون كالمذكور مرتين إشارة إلى عظيم تدبيره لشدة ما فيه من الحكم فقال :﴿وضعها﴾ أي دحاها وبسطها على الماء ﴿للأنام *﴾ أي كل من فيه قابلية النوم أو قابلية الونيم وهو الصوت بعد أن وضع لهم الميزان الذي لا تقوم الأرض إلا به.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٧١


الصفحة التالية
Icon