ولما أخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من المنافع من الأعيان والمعاني، واستوفى الأرض بقسميها براً وبحراً، مضمناً ذلك العناصر الأربعة التي أسس عليها المركبات، وكان أعجب ما للمخلوق من الصنائع ما في البحر، وكان راكبه في حكم العدم، دل على أنه المتفرد بجميع ذلك بهلاك الخلق، فقال مستأنفاً معبراً بالاسمية الدالة على الثبات وبـ ﴿من﴾ للدلالة على التصريح تهويلاً بفتاء العاقل على فناء غير العاقل بطريق الأولى :﴿كل من عليها﴾ أي الأرض بقسميها والسماء أيضاً ﴿فان *﴾ أي هالك ومعدوم بالفعل بعد أن كان هو وغيره من سائر ما سوى إليه، وليس لذل ككله من ذاته إلا العدم، فهو فان بهذا الاعتبار، وإن كان موجوداً فوجوده بين عدمين أولهما أنه لم يكن، وثانيهما أنه يزول ثم هو فيما بين ذلك يتعاوره الإيجاد والإفناء في حين من أحواله وأعراضه وقواه، وأسباب الهلاك محيطة به حساً ومعنى وهو لا يراها كما أنها محيطة بمن هو في السفينة من فوقه ومن تحته ومن جميع جهاته.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٨٢
ولما كان الوجه أشرف ما في الوجود، وكان بعر به عما أريد به صاحب الوجه مع أنه لا يتصور بقاء الوجه صاحبه، فكان التعبير به عن حقيقة ذلك الشيء أعظم وأدل على الكمال، وكان من المقرر عند أهل الشرع أنه سبحانه ليس كمثله شيء فلا يتوهم أحد منهم من التعبير به نقصاً قال :﴿ويبقى﴾ أي بعد فناء الكل، بقاء مستمراً إلى ما لا نهاية له ﴿وجه ربك﴾ أي المربي لك بالرسالة والترقية بهذا الوحي إلى ما لا يحد من المعارف، وكل عمل أريد به وجهه سبحانه وتعالى خالصاً.