ولما كان نفوذهم في حد ذاته ممكناً ولكنه منعهم من ذلك بأنه لم يخلق في أحد منهم قوته ولا سيما وقد منعهم منه يوم القيامة بأمور منها إحداق أهل السماوات السبع بهم صفاً بعد صف وسرادق النار قد أحاط بالكافرين ولا منفذ لأحد إلا على الصراط ولا يجوزه إلا كل ضامر يخف، أشار إليه بقوله مستأنفاً :﴿لا تنفذون﴾ أي من شيء من ذلك ﴿إلا بسلطان﴾ إلا بتسليط عظيم منه سبحانه بأمر قاهر وقدرة بالغة وأنى لكم بالقدرة على ذلك، قال البغوي : وفي الخبر : يحاط على الخلق بالملائكة وبلسان من نار ثم ينادون : يا معشر الجن الآية.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٨٥
انتهى، وهذا حكاية ما يكون من ذلك يوم القيامة له أنه خاص بهم.
ولما كان هذا نظرهم فيما بينهم وبين بقية الحيوانات بما أعطاهم من القوى الحسية والمعنوية وما نصب لهم، المصاعد العقلية والمعارض النقلية التي ينفذون بها إلى غاية الكائنات ويتخللون بما يؤديهم إليه علمها إلى أعلى المخلوقات، ثم نظرهم فيما بين الحيوانات وبين النباتات ثم بينها وبين الجمادات دالاًّ دلالة واضحة على أنه سبحانه وتعالى يعطي من يشاء من يشاء، فلو أراد قواهم على النفوذ منها، ولو قواهم على ذلك لكان من أجل النعم، وأنه سبحانه قادر على ما يريد منهم، فلو شاء أهلكم ولكنه يؤخرهم إلى آدالهم حلماً منه وعفواً منه عنهم، سبب عن ذلك قوله :﴿فبأيّ آلاء ربكما﴾ أي المحسن إليكما المربي لكما بما تعرفون به قدرته على كل ما يريد
٣٨٨
﴿تكذبان *﴾ أبنعمة السمع من جهة اليسار أو غيرها من جعلكم سواء في أنكم لا تقدرون على مخالفة مراده سواء ابتدأ بخلقكم أو اليوم المشهود وقد أشهدكم قبل على أنفسكم وعهد إليكم أو بتكشيط السماوات وقد شاهدتم تكشيط السحاب بعد بسطه أو بالجزاء وقد رأيتم الجزاء العاجل وشاهدتم ما أصاب الأمم الماضية.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٨٥


الصفحة التالية
Icon