ولما سلب عنهم القدرة على النفوذ المذكور تنبيهاً على سلب جميع القدرة عنهم وعلى أن ما يقدرون عليه إنما هو بتقديره لهم نعمة منه عليهم، ولما كان منهم من بلغ الغاية في قسوة القلب وجمود الفكر فهو يحيل العجز عن بعض الأمور إلى أنه لم يجر بذلك عادة، لا إلى أنه سبحانه المانع من ذلك، فعمهم شيء من ذلك سطوته فقال ﴿يرسل عليكما﴾ أي أيها المعاندون، قال ابن عباس رضي الله عنهما : حين تخرجون من القبور بسوقكم إلى المحشر ﴿شواظ﴾ أي لهب عظيم منتشر مع التضايق محيط بكم من كل جانب له صوت شديد كهيئته ذي الخلق الضيق الشديد النفس.
ولما كان الشواظ يطلق على اللهب الذي لا دخان فيه وعلى دخان النار وحرها وعلى غير ذلك، بينه بقوله :﴿من نار ونحاس﴾ أي دخان هو في غاية الفظاعة فيه شرر متطاير وقطر مذاب، قال ابن جرير : والعرب تسمي الدخان نحاساً بضم النون وكسرها، وأجمع القراء على ضمها - انتهى.
وجرها أبو عمرو وابن كثير عطفاً على ﴿نار﴾ ورفعه الباقون عطفاً على ﴿شواظ﴾.
ولما كان ذلك ممكناً عقلاً وعادة، وكانوا عارفين بأنهم لو وقعوا في مثل ذلك لم يتخلصوا منه بوجه، سبب عنه قوله :﴿فلا تنصران *﴾ قال ابن برجان : هذا مصداق قول رسول الله ﷺ "يخرج عنق من نار فيقول بكل جبار عنيد فيلتقطهم من بين الجمع لقط الحمام حب السمسم، ويغشي المجرمين دخان جهنم من بين المؤمنين ولا يضرهم، وآية الشواظ وعنق النار هنالك صواعق ما هنا وبروقه والنار المعهودة ".
ولما كان التهديد بهذا لطفاً بهم فهو نعمة عليهم والعفو عن المعالجة بإرسالة لذلك، سبب عنه قوله :﴿فبأيِّ آلاء ربكما﴾ أي المربي لكما بدفع البلايا وجلب المنافع
٣٨٩
﴿تكذبان *﴾ أبنعمة السمع من فوق أو غيرها، ألم يكن لكم فيما شهدتموه في الدنيا من دلائل ذلك وآياته ما يوجب لكم الإيمان.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٨٩