بالشاهد المألوف أعظم في التعريف، وكان علم أحوال الشيء الظاهر أسهل، قدمهم فقال :﴿إنس﴾ ولما كان لا يزلم من علم أحوال الظاهر علم أحوال الخفي، بين أن الكل عليه سبحانه هين فقال :﴿ولا جان *﴾ ولما كان هذا التمييز من أجل النعم لئلا يؤدي الالتباس إلى ترويع بعض المطيعين عاملاً أو نكاية بالسؤال عنه قال :﴿فبأيِّ آلاء ربكما﴾ أي الذي ربى كلاًّ منكم بما لا مطمع في إنكاره ولا خفاء فيه ﴿تكذبان *﴾ أبنعمة الشم من الأمام أم من غيرها.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٨٩
ولما كان الكلام عاماً عرف انه خاص بتعرف المجرم من غيره دون التعزير بالذنب أو غيره من الأحوال فقال معللاً لعدم السؤال :﴿يعرف﴾ أي لكل أحد ﴿المجرمون﴾ أي العريقون في هذا الوصف ﴿بسيماهم﴾ أي العلامات التي صور الله ذنوبهم فيها فجعلها ظاهرة بعد أن كانت باطنة، وظاهرة الدلالة عليهم كما يعرف أن الليل إذا جاء لا يخى على أحد أصلاً وكذلك النهار ونحوهما لغير الأعمى، وتلك السيما - والله أعلم - زرقة العيون وسواد الوجوه والعمى والصمم والمشي على الوجوه ونحو ذلك، وكما يعرف المحسنون بسيماهم من بياض الوجوه وإشراقها وتبسمها، والغرة والتحجيل ونحو ذلك، وسبب عن هذه المعرفة قوله مشيراً بالبناء للمفعول إلى سهولة الأخذ من أي آخذ كان ﴿فيؤخذ بالنواصي﴾ أي منهم وهي مقدمات الرؤوس ﴿والأقدام *﴾ بعد أن يجمع بينهما كما أنهم كانوا هم يجمعون ما أمر الله به أن يفرق، ويفرقون ما أمر الله به أن يجمع، فيسحبون بها سحباً من كل ساحب أقامه الله لذلك لا يقدرون على الامتناع بوجه فيلقون في النار.


الصفحة التالية
Icon