ولما كان ذكر الخوف من الزمان المضروب للحساب والتدبير والمكان المعد لهما أبلغ من ذكر الخوف من الملك المحاسب المدبر، والخوف مع ذكر وصف الإكرام أبلغ من ذكر الخوف عند ذكر أوصاف الجلال، قال دالاًّ بذلك على أن المذكور رأس الخائفين :﴿مقام ربه﴾ أي مكان قيامه الذي يقيمه وغيره فيه المحسن إليه للحكم وزمانه الذي ضربه له وقيامه عليه وعلى غيره بالتدبير، فهو رقيب عليه وعليهم، فكيف إذا ذكر مقام المنتقم الجبار المتكبر فترك لهذا ما يغضبه وفعل ما يرضيه ﴿جنَّتان﴾ عن يمين وشمال، واحدة للعلم والعقل وأخرى للعلم، ويمكن أن يراد بالتثنية المبالغة إفهاماً لأنهما جنان متكررة ومتكثرة مثل ﴿ألقيا في جهنم كل كفَّارٍ عنيد﴾ [ق : ٢٤] ونحو ذلك.
ولما كانت هذه نعمة جامعة، سبب عنها قوله :﴿فبأيِّ آلاء ربكما﴾ أي نعم المربي لكما والمحسن إليكم بإحسانه الكبار التي لا يقدر غيره على شيء منها ﴿تكذبان *﴾ أبنعمة الشم من اليسار المنبعثة من القلب أو غيرها من تربة جنان الدنيا بنفس جهنم من حر الشمس وحرورها، فجعل من ذلك جميع الفواكه والزروع إلى غير ذلك من المرافق التي طبخها بها ﴿وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون﴾ [يوسف : ١٠٥] وغير ذلك من نعمه التي لا تحصى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٩٢
ولما كانت البساتين لا يكمل مدحها إلا بكثرة الأنواع والألوان والفروع المشتبكة والأغصان، قال واصفاً لهما :﴿ذواتا﴾ أي صاحبتا برد عين الكلمة فإن أصلها " ذوو " ﴿أفنان *﴾ أي جميع فن يتنوع فيه الثمار، وفنن وهو الغصن المستقيم طولاً الذي تكون به الزينة بالورق والثمر وكمال الانتفاع، قال عطاء : في كل غصن فنون من الفاكهة ؛ ولهذا سبب عنه قوله :﴿فبأيّ آلاء ربكما﴾ أي المربي لكما والمحسن إليكما ﴿تكذبان *﴾ أبنعمة الشم من جهة الفوق أو غيرها مما ذكره لكم من وصف الجنة الذي جعل لكم من أمثاله ما تعتبرون به.