ولما كانت الجنان لا تقوم إلا بالأنهار قال :﴿فيهما عينان﴾ أي في كل واحدة عين ﴿تجريان *﴾ أي في كل مكان شاء صاحبهما وإن علا مكانه كما تصعد المياه في الأشجار في كل غصن منها، وإن زاد علوها جرى على عيني دموعه الجاريتين من خشية الله وذلك على مثال جنان الدنيا، والشمس صاعدة في البروج الشمالية من تكامل المياه وتفجرها عيوناً في أيام الربيع والصيف لقرب العهد بالأمطار ﴿فبأي آلاء ربكما﴾ أي
٣٩٣
المالك لكما والمحسن إليكما ﴿تكذبان *﴾ أبنعمة الشم من جهة التحت أو غيرها مما ذكره وجعل له في الدنيا أمثالاً كثيراً.
ولما كان بالمياءه حياة النبات وزكاؤه، قال ذاكراً أفضل النبات :﴿فيهما﴾ أي هاتين الجنتين العاليتين، ودل على جميع كل ما يعلم وزيادة بقوله :﴿من كل فاكهة﴾ أي تعلمونها أو لا تعلمونها ﴿زوجان﴾ أي صنفان يكمل أحدهما بالآخر كما لا يدرك كنه أحد الزوجين بسبب العمل بما يرضى والآخر بالانتهاء عما يسخط ﴿فبأيِّ آلاء ربكما﴾ أي النعم الكبار التي رباها الموجد لكما المحسن إليكما ﴿تكذبان *﴾ أبنعمة اللمس من الأمام أو غيرها من أنه أوجد لكما جنان الدنيا بواسطة حر النار التي هي أعدى عدوكما إشارة إلى أنه قادر على أنه يوجد برضوانه ومحبته من موضع غضبه وانتقامه إكراماً، فقد جعل ما في الدنيا مثالاً لما ذكر في الآخرة، فبأي شيء من ذلك تكذبان، لا يكمل الإيمان حتى يصدق المؤمن أنه تعالى قادر على أن يجعل من جهنم جنة بأن يجعل من موضع سخطه رحمة ويشاء ذلك ويعتبر ذلك بما أرانا من نموذجه.