ولما كان التفكه لا يكمل حسنه إلا مع التنعم من طيب الفرش وغيره، قال مخبراً عن الذين يخافون مقام ربهم من قبيلي الإنس والجن مراعياً معنى ﴿من﴾ بعد مراعاة لفظها تحقيقاً للواقع :﴿متكئين﴾ أي لهم ما ذكر في حال الاتكاء وهو التمكين بهيئة المتربع أو غيره من الكون على جنب، قال في القاموس : توكأ عليه : تحمل، واعتمد كأوكأ، والتكأة كهمزة : العصا، وما يتوكأ عليه، وضربه فأتكأه : ألقاه على هيئة المتكئ أو على جانبه الأيسر، وقال ابن القطاع : وضربته حتى أتكأته أي سقط على جانبه، وهو يدل على تمام التنعم بصحة الجسم وفراغ البال ﴿على فرش﴾ وعظمها بقوله مخاطباً للمكلفين بما تحتمل عقولهم وإلا فليس في الجنة ما يشبهه على الحقيقة شيء من الدنيا ﴿بطائنها﴾ أي فما ظنك بظواهرها ووجوهها ﴿من إستبرق﴾ وهو ثخين الديباج يوجد فيه من حسنه بريق كأنه من شدة لمعانه يطلب إيجاده حتى كأنه نور مجرد.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٩٢
ولما كان المتكىء قد يشق عليه القيام لتناول ما يريد قال :﴿وجنا الجنتين﴾ أي مجنيهما اسم بمعنى المفعول - كأنه عبر به ليفهم سهولة نفس المصدر الذي هو الاجتناء ﴿دان *﴾ أي قريب من كل من يريده من متكىء وغيره لا يخرج إلى صعود شجرة، وموجود من كل حين يراد غير مقطوع ولا ممنوع.
ولما كان ربما وجد مثل من ذلك شاهد له من إغصان تنعطف بجملتها فتقرب وأخرى تكون قريبة من ساق الشجرة فيسهل تناولها قال :﴿فبأيِّ آلاء ربكما﴾ أي النعم الكبار الملوكية التي أوجدها لكما هذا المربي لكما الذي يقدر على كل ما يريد
٣٩٤
﴿تكذبان *﴾ أبنعمة اللمس من جهة الوراء أم غيرها من قدرته على عطف الأغصان وتقريب الثمار.