الله فكف جوارحه عن الزلات، وصان قلبه عن الغفلات ﴿فبأيِّ آلاء ربكما﴾ أي الجليل الإحسان إليكما ﴿تكذبان *﴾ أبنعمة الذوق من جهة الفوق أم بغيرها مما جعله مثالاً لهذا في الدنيا، فإنه كما خلقنا من تراب ثم طورنا في أطوار الخلقة بحسب حكمة الأسباب كذلك خلق أولئك من أرض الجنة ورياضها وفواكهها عن كلمة السكان من غير أسباب.
ولما كانت أنفس الأخيار ذوي الهمم العالية الكبار في الالتفات إلى الأبكار قال :﴿لم يطمثهن﴾ أي يتسلط عليهن نوع سلطة ﴿إنس﴾ وعم الزمان بحذف الجار فقال :﴿قبلهم﴾ أي انتفى الطمث المذكور في جميع الزمان الكائن قبل طمث أصحاب هذه الجنان لهن، فلو وجد في لحظة من لحظات القبل لما صدق النفي ﴿ولا جان *﴾ فهن في غاية الاختصاص كل بما عنده ﴿فبأيِّ﴾ أي فتسبب عن هذا التعدد لمثل هذه النعم العظيمة أنا نقول تعجيباً ممن يكذب توبيخاً له وتنبيهاً على ما له تعالى من النعم التي تفوت الحصر : بأيِّ ﴿آلاء ربكما﴾ أي النعم الجليلة من المدبر لكما بما له من القدرة التامة والعظمة الباهرة العامة ﴿تكذبان *﴾ أبنعمة الذوق من تحت أم بغيرها مما جعله مثالاً لهذا من الأبكار المخدرات، وجميع ما ذكر من النعم العامة الظاهرة في كل حالة في الدنيا والآخرة، وختم بالتقرير أربع وعشرون ثمان منها أول السورة من النعم الدنياوية، وست عشرة جنان، وجعلها على هذا العدد، إشارة إلى تعظيمها بتكثيرها فإنه عدد تام لأنه جامع لأكثر الكسور، ولذا قسم الدرهم وغيره أربعة وعشرون قيراطاً.