ولما بدأ بالألذ الهاضم للأكل، تلاه بما يليه مما يدعو إليه الهضم تصريحاً به بعد التلويح فقال :﴿وفاكهة مما يتخيرون *﴾ أي هو فيها بحيث لو كان فيها جيد وغيره واختاروا وبالغوا في التنقية لكان مما يقع التخير عليه، ولما ذكر ما جرت العادة بتناوله لمجرد اللذة، أتبعه ما العادة أنه لإقامة البينة وإن كان هناك لمجرد اللذة أيضاً فقال :﴿ولحم طير﴾ ولما كان في لحم الطير مما يرغب عنه، احترز عنه بقوله :﴿مما يشتهون *﴾ أي غاية الشهوة بحيث يجدون لآخرة من اللذة ما لأوله.
ولما كان لم يكن بعد الأكل والشرب أشهى من الجماع، قال عاطفاً على ﴿ولدان﴾ :﴿وحور العين *﴾ أي يطفن عليهم، وجره حمزة والكسائي عطفاً على ﴿سرر﴾ فإن النساء في معنى التكاء لأنهن يسمين فراشاً.
ولما كان المثل في الأصل الشيء نفسه كما مضى في الشورى قال :﴿كأمثال﴾ أي مثل أشخاص ﴿اللؤلؤ المكنون *﴾ أي المصون في الصدف عما قد يدنسه.
٤٠٧
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٠٦
ولما أبلغ في وصف جزائهم بالحسن والصفاء، دل على أن أعمالهم كانت كذلك لأن الجزاء من جنس العمل فقال تعالى :﴿جزاء﴾ أي فعل لهم ذلك لأجل الجزاء ﴿بما كانوا﴾ جبلة وطبعاً ﴿يعملون *﴾ أي يجددون عمله على جهة الاستمرار.
ولما أثبت لها الكمال وجعله لهم، نفى عنها النقص فقال :﴿لا يسمعون﴾ أي على حال من الأحوال ﴿فيها لغواً﴾ أي شيئاً مما لا ينفع فإن أنكاً.
بالسميع الحكيم ذلك، واللغو : الساقط ﴿ولا تأثيماً *﴾ أي ما يحصل به الإثم أو النسبة إلى الإثم، بل حركاتهم وسكناتهم كلها رضى الله، وما قطع قلوب السائرين إلى الله إلا هاتان الخصلتان بينا أحدهم يبني ما ينفعه مجتهداً في البناء إذ هو غلبه طبعه فهدم أكثر ما بنى، وبينا هو يظن أنه قد قرب إذا هو تحقق بمثل ذلك أنه قد بعد، نزحت داره وشط مزاره، فاللّه المستعان.