ولما كان الجواب قطعاً : أنت الفاعل لذلك وحدك ؟ قال موضحاً لأنه ما زرعه غيره بأن الفاعل الكامل من يدفع عما صنعه ما يفسده، ومن إذا أراد إفساده لم يقدر أحد على منعه ﴿لو نشاء﴾ أي لو عاملناكم بصفة العظمة، وأكد لأن فعلهم فعل الآمن من ذلك مع أنهم في غاية الاستبعاد لأن يهلك زرعهم كما زرعوه أو لأن المطعوم أهم من المشروب وأعظم، فإنه الأصل في إقامة البدن والمشروب تبع له فقال :﴿لجعلناه﴾ أي بتلك العظمة ﴿حطاماً﴾ أي مكسراً مفتتاً لا حب فيه قبل النبات حتى لا يقبل الخروج أو بعده ببرد مفرط أو حر مهلك أو غير ذلك فلا ينتفع به ﴿فظلتم﴾ أي فأمتم بسبب ذلك نهاراً في وقت الأشغال العظيمة وفي كل وقت وتركتم كل ما يهمكم ﴿تفكهون *﴾ قال في القاموس : فكههم بملح الكلام : أطرافهم بها وفكه - كفرح فكهاً فهو فكه وفاكه : طيب النفس أو يحدث صحبه فيضحكم ومنه تعجب كتفكه، والتفاكه : التمازح، وتفكه : تندم : والأفكوكة : الأعجوبة، وقال ابن برجان : الفكه هو المتردد في القول سببت ذلك التلف أو تتعجبون أو تحدثون في ذلك ولم تعرجوا على شغل غيره كما تفعلون عند الأشياء السارة التي هي في غاية الإعجاب والملاحة والملاءمة، ولهذاعبر عما المراد به الإقامة مع الدوام بـ ﴿ظل﴾ الذي معناه أقام نهاراً إشارة إلى ترك الاشغال التي تهم ومحلها النهار ويمنع الإنسان من أكثر ما يهمه من الكلام لهذا النازل الأعظم، وحذف إحدى لامي ظل وتاء التفعل من تفكه إشارة إلى ضعف المصابين عن الدفاع في بقائهم وفي كلامهم حال بقائهم الضعيف، وكون المحذوف عين الفعل وهو الوسط، إشارة إلى خلع القلب واختراق الجوف والقهر العظيم، فلا قدرة لأحد منهم على ممانعة هذا النازل بوجه ولا على تبريد ما اعتراه منه من حرارة الصدر وخوف الفقر بغير الشكاية إلى آماله ممن يعلم أنه لا ضر في يده ولا نفع، ورمبا كان ذلك إشارة إلى أنه عادته سبحانه قرب الفرج من شدائد الدنيا ليكون الإنسان متمكناً من الشكر لا


الصفحة التالية
Icon