ولما كان من يتسع ملكه يغيب عنه علم بعضه لبعده عنه، عرف أنه لا مسافة أصلاً بينه وبين شيء من الأشياء فقال :﴿وهو معكم﴾ أي أيها لاثقلان المحتاجان إلى التهذيب بالعلم والقدرة المسببين عن القرب ﴿أين ما كنتم﴾ فهو عالم بجميع أموركم وقادر عليكم تعالياً عن اتصال بالعلم ومماسة، أو انفصال عنه بغيبة أو مسافة، قال أبو العباس ابن تيمية في كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان : لفظ " مع " لا يقتضي في لغة العرب أن يكون أحد الشيئين مختلطاً بالآخر لقوله ﴿اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾ [التوبة : ١١٩] وقوله :﴿محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار﴾ ولفظ " مع " جاءت في القرآن عامة وخاصة، فالعامة ﴿ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم﴾ [المجادلة : ٧] فافتتح الكلام بالعلم واختتمه بالعلم، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل : هو معهم بعلمه، وأما المعية الخاصة فقوله تعالى :﴿إن الله مع الذين اتقوا والذين هزم محسنون﴾ [النحل : ١٢٨] وقوله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام :﴿إنني معكما أسمع وأرى﴾ [طه : ٤٦] وقال :﴿إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا﴾ [التوبة : ٤٠] يعني النبي ﷺ وأبو بكر الصدّيق رضي الله عنه، فهو دون أبي جهل وغيره من أعدائه، ومع الذين اتقوا والذين هم محسنون دون الظالمين المعتدين، فلو كان معنى المعية أنه بذاته في كل مكان تناقض الخبر الخاص والخبر العام، بل المعنى أنه مع هؤلاء بنصره وتأييده دون أولئك، وقوله تعالى :﴿وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله﴾ [الزخرف : ٨٤] أي هو إله في الماء وإله في الأرض كما قال تعالى :﴿وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم﴾ [الروم : ٢٧] وكذلك في قوله تعالى :﴿وهو الله في السماوات وفي الأرض﴾ كما فسره أئمة العلم كأحمد وغيره أنه المعبود في