ولما كان المقصود الإنفاق في زمان الإيمان لا مطلق الزمان، خص بالجارّ فقال :﴿من قبل الفتح﴾ أي الذي هو فتح جميع الدنيا في الحقيقة وهو فتح مكة الذي كان سبباً لظهور الدين على الدين كله لما نال المنفق إذ ذاك بالإنفاق من كثرة المشاق لضيق المال حينئذ، وذلك مستلزم لكون المنفق أنفذ بصيرة ونفقته أعظم غنّى وأِد نفعاً، وفيه دليل على فضل أبي بكر رضي الله عنه فإنه أول من أنفق ولم يسبقه في ذلك أحد، وفيه نزلت الآية - كما حكاه البغوي عن الكلبي.
ولما كان المراد بالإيمان خدمة الرحمة، وكان الإنفاق وإن كان مصدقاً للإيمان لا يكمل تصديقه إلا ببذل النفس قال :﴿وقاتل﴾ أي سعياً في إنفاق نفسه لمن آمن به، وحذف المنفي للتسوية به وهو من لم ينفق مطلقاً أو بقيد القبيلة لدلالة ما بعده، ولعله ألإرد الضمير إشارة إلى قلة السابقين.
ولما كان نفي المساواة لا يعرف منها الفاضل منغيره، وقد كان حذف قسيم من أنفق لوضوحه والتنفير منه ودلالة ما بعده عليه، فنى اللبس بقوله :﴿أولئك﴾ أي المنفقون المقاتلون وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، المقربون من أهل الرتبة العية لمبادرتهم إلى الجود بالنفس والمال ﴿أعظم درجة﴾ وبعظم الدرجة يكون عظم صاحبها ﴿من الذين أنفقوا﴾ ولما كان المراد التفضيل على أوجد الإنفاق والقتال في زمان بعد ذلك، لا على من استغرق كل زمان بعده بالإنفاق والقتال أدخل الجار فقال :﴿من بعد وقاتلوا﴾ ولما كان التفضيل مفهماً اشتراك الكل في الفضل، صرح به ترغيباً في الإنفاق على كل حال فقال :﴿وكلاًّ﴾ أي من القسمين ﴿وعد الله﴾ أي الذي له الجلال والكمال والإكرام ﴿الحسنى﴾ أي الدرجة التي هي غاية الحسن وإن كانت في نفسها متفاوتة، وقرأ ابن عامر ﴿وكل﴾ وهو أوفق لما عطف عليه.


الصفحة التالية
Icon