ولما ذكر أهل اسعادة جامعاً لأصنامهم، أتبعهم أهل الشقاوة لذلك قال :﴿والذين كفروا﴾ أي ستروا ما دلت عليه أنوار عقولهم ومرائي فكرهم ﴿وكذبوا بآياتنا﴾ على ما لها من العظمة بنسبتها إلينا سواء كانوا في ذلك مساترين أو مجاهرين أو عمل العالم بها عمل المكذب ﴿أولئك﴾ أي المبعدون من الخير خاصة ﴿أصحاب الجحيم *﴾ أي النار التي هي غاية في توقدها، خالدون فيها من بين العصاة، وأما غيرهم فدخولهم لها إذا دخلوها ليس على وجه الصحبة الدالة على الملازمة، وأولئك هم الكاذبون الذي لا تقبل لهم شهادة عند ربهم، لهم عقابهم وعليهم ظلامهم، والآية من الاحتباك : ذكر الصديقية وما معها أولاً دليلاً على أضدادها ثانياً، والجحيم ثانياً دليلاً على النعيم أولاً، وسره أن الأول أعظم في الكرامة، والثاني أعظم في الإهانة.
ولما ذكر سبحانه حال الفريقين : الأشقياء والسعداء، فتقرر بذلك أمر الآخرة، فعلموا أنها الحيوان الذي لا انقضاء له من إكرام أو هوان، وكان الموجب للهوان فيها إنما هو الإقبال على الدنيا لحضورها ونسيان الآخرة لغيابها، قال منتجاً مما مضى مبيناً لحقيقة ما يرغب فيه المكلف المركب على الشهوة من العاجلة بما نزهه فيه مصدّراً له بما يوجب غاية اليقظة والحضور :﴿اعملوا﴾ أي أيها العباد المبتلون، وأكد المعنى بزيادة ﴿ما﴾ لما للناس من الغفلة عنه فقال قاصراً قصر قلب :﴿إنما الحيوة الدنيا﴾ أي الحاضرة التي رغبت في الزهد فيها والخروج عنها بالصدقة والقرض الحسن ﴿لعب﴾
٤٥١
أي تعب لا ثمرة له فهو باطل كلعب الصبيان ﴿ولهو﴾ أي شيء يفرح الإنسان به فيلهيه ويشغله عما يعنيه ثم ينقضي كلهو الفتيان، ثم أتبع ذلك عظم ما يلهي في الدنيا فقال :﴿وزينة﴾ أي شيء يبهج العين ويسر النفس كزينة النسوان، وأتبعها ثمرتها فقال :﴿وتفاخر﴾ أي كتفاخر الأقران يفتخر بعضهم على بعض.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٩


الصفحة التالية
Icon