ولما كان ذلك مخصوصاً بأهل الشهوات قال :﴿بينكم﴾ أي يجر إلى الترفع الجارّ إلى الحسد والبغضاء، ثم أتبع ذلك ما يحصل به الفخر فقال :﴿وتكاثر﴾ أي من الجانبين ﴿في الأموال﴾ أي التي لا يفتخر بها إلا أحمق لكونها مائلة ﴿والأولاد﴾ الذين لا يغتر بهم إلا سفيه لأنهم الأعداء، وأن جميع ما ذكر زائل وأن الدنيا آفاتها هائلة، وإنما هي فتنة وابتلاء يظهر بها الشكرين من غيره، ثم إلى ذلك كله قد يكون ذهابه عن قرب فتكون على أضداد ما كان عليه، فيكون أشد في الحسرة، ومطابقة ذلك لما بعده ان الإنسان ينشأ في حجر وليه فيشب ويقوى ويكسب المال والولد وثم تغشاه الناس فيكون بينهم امور معجبة وأحوال ملهية مطربة، فإذا تم شبابه وأطفأه مجيئه وذهابه وأشكاله وأترابه، أخذ في الانحطاط ولا يزال حتى يشيب ويسقم ويضعف ويهرم وتصيبه النوائب والقوارع والمصائب في ماله وجسمه وأولاده وأصحابه، ثم في آخر ذلك يموت، فإذا قد اضحمل أمره ونسي عما قليل ذكره، وصار ماله لغيره وزينته متمتعاً بها سواه فالدنيا حقيرة وأحقر منها طالبها وأقل منها خطر المزاحم فيها، فما هي إلا جيفة، وطلاب الجيفة ليس لهم خطر، وأخسهم من بخل بها، قال القشيري : وهذه الدنيا المذمومة هي ما يشغل العبد عن الآخر فكل ما يشغله عن الآخرة فهو الدنيا - انتهى.
ولما قرر سبحانه أنها ظل زائل وعرض هائل، وكان بعض الناس يتنبه فيشكر وبعضهم يعمى فيكفر، كان القسم الثاني أكثر لأن وجودها وإقبالها يعمي أكثر القلوب عن حقارتها، ضرب لذلك مثلاً مقرراً لما مضى من وصفها لأن للأمثال في تقرير الأشياء وتصويرها ما ليس لغيرها فقال تعالى :﴿كمثل﴾ أي هذا الذي ذكرته من أمرها يشبه مثل ﴿غيث﴾ أي مطر حصل بعد جدب وسوء حال.


الصفحة التالية
Icon